في الماضي، كانوا يشترون السيارات المعطّلة، يقومون بالقليل من التصليحات ومن ثم يتم تصديرها للدول العربية خاصة المغرب ولبنان نظرًا لسماح هذه الدول باستيراد السيارات للأفراد.
أما اليوم، فالأمر أكثر سهولة بالنسبة إليهم، إذ لم تعد بهم حاجة لتحمّل نفقات التصدير، وبات زبونهم على الأرض ذاتها، خاصة بعد أن بات اقتناء سيارة في أوروبا تمثّل واحدة من أصعب المهام، وربما أكثرها تعقيدًا، بالنسبة للاجئين، خاصة مع تصاعد ما وصفوه بعمليات النصب التي تترافق مع معظم عمليات شراء السيارات المستعملة، خارج الشركات، من خلال الشراء من أفراد، أو ورشات إصلاح السيارات والتي غالبًا يملكها أو يديرها عرب أو أتراك، وأحيانًا أوروبيون شرقيون - لاجئون سابقون - حيث يشير الكثير من اللاجئين إلى أنهم كانوا ضحايا الوقوع في "مصيدة" عمليات نصب تعرّضوا لها على يد هؤلاء، عبر بيعهم سيارة تكون في كثير من الأحيان كما يقال بالعامية "ربع عمر"، على حد وصفهم.
تعرّض "هشام" (33 سنة)، لواحدة من هذه العمليات عندما قرّر شراء سيارة من أحد تجار بيع السيارات المستعملة قبل عامين، إذا كان بحاجة لامتلاك سيارة رخيصة الثمن "على قد الحال"، حسب تعبيره، لكنّ السيارة تعطلت "بعد ثلاثة أيام فقط من شرائها"، على الرغم من تأكيد التاجر له بأنها ذات جودة عالية وأنها خضعت قبل بيعها لفحص شامل ضمن ما يُعرف بـ"الكونترول تكنيك"، وهو ما كان موضّحًا في أوراق السيارة، وعندما توقفت بشكل مفاجئ خلال ذهابه إلى عمله، وأخبره فني الميكانيك بعد فحص السيارة أنّ محرّكها قديم ويعاني من مشكلات كثيرة أدت إلى تعطله بشكل كامل وأنه ليس قابلًا للإصلاح، وقد يكون ذلك بسبب تعرّض السيارة لحادث كبير ثم إصلاحها بشكل يخفي آثار الحادث ظاهريًا و"تسكيج المحرك" كي تباع السيارة فقط، ليتبيّن له أنّ "تكلفة تبديله تفوق قيمة السيارة"!.
أوراق مزوّرة
لدينا جميعًا نظرة وردية عن القوانين المانعة للفساد في أوروبا عمومًا، فكيف يستطيع التاجر استصدار ورقة "الكونترول تكنيك" لسيارة تعاني ما تعانيه من أعطال؟.
عن هذا السؤال يجيب "أبو أحمد" (يعمل في إحدى الورش التي يملكها مهاجرعربي قديم وتبيع سيارات مستعملة)، بأنّ أحد أقرباء صاحب الورشة يعمل في استصدار هذه الوثيقة (الكونترول تكنيك) ويقوم يتجهيزها للتاجر "مقابل مبلغ مادي" وغالبًا ما تكون هذه الورقة صحيحة لكنها لا تتضمن معلومات حقيقية بفضل جهود هذا الموظف، وأحيانًا أخرى لا تكون صحيحة، ويصدرها الموظف دون خضوع السيارة لفحص فعلي، وأيضًا هناك بعض المراكز المعتمدة التي تعمد إلى تزوير هذه الورقة بشكل محترف ودقيق.
وبالعودة إلى هشام، فيقول إنه عندما ذهب إلى التاجر وأخبره بما قاله له الفني: "رفض إعادة ثمن السيارة لي وهدّدني بأنه سيعتدي عليّ في حال عدتُ إليه مرة ثانية، وأنه غير مسؤول عن السيارة بعد خروجها من عنده"!.
أما رامي عبد المولى (لاجئ سوري في ألمانيا - 45 عامًا)، فيروي أنه اشترى سيارة من تاجر سيارات مستعملة، ليلاحظ بعد فترة "وجود بقع زيت في مكان ركنها"، عندها سارع إلى أخذ السيارة لإحدى الورش الألمانية المعروفة، للكشف عن السبب، فأخبره الفنيون في الورشة بعد الفحص، أنّ "السيارة غير صالحة للقيادة على الإطلاق بل إنّ قيادتها بهذه الحالة ستمثّل خطرًا على حياته وعلى حياة الآخرين كونها مهدّدة بالتوقف المفاجئ أثناء القيادة ما قد يؤدي إلى حصول حادث مميت لسائقها ولغيره على الطرقات السريعة"، ويضيف: "نتيجة الاختبار الفني، تبيّن وجود مشكلة في ناقل الحركة واهتراء في الوصلات الرابطة بين مكوّناته، وهو ما كان سببًا في تسرّب الزيت، وأن علبة ناقل الحركة مهددة بالتعطل بأي لحظة، الأمر الذي قد يتسبب في اختلال توازن السيارة وانقلابها، لذا نصحني الفني أن لا أقود السيارة إلا بعد استبدال القطع البالية في علبة ناقل الحركة، والتي كانت تكلّف تقريبًا تكلفة شراء السيارة نفسها"، لافتاً إلى أنه فكّر في تقديم شكوى ضد التاجر الذي باعه السيارة، إلا أنّ المحامي الخاص به أبلغه أنه لن يستفيد من تلك الشكوى على اعتبار أنه لا يملك دليلًا على أنّ التاجر باعه السيارة وهي معطّلة.
إلى جانب ذلك، يلفت عبد المولى، إلى أنّ الكثير من اللاجئين غير قادرين على شراء سيارات جديدة ذات سعر مرتفع بسبب حداثه عهدهم في هذه البلاد، وهم لا زالوا يخطون أولى خطواتهم فيها، ما يجبرهم على التوجه إلى سوق السيارات المستعملة، مشيرًا إلى أنّ دخول الكثير من اللاجئين إلى سوق العمل بالإضافة إلى بُعد المسافات بين منازلهم وأماكن عملهم والتأخير في مواصلات النقل العامة جعل من السيارة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، تحديدًا خلال فصل الشتاء ودرجات الحرارة المتدنية.
وعن أسباب توجّه العديد من اللاجئين للسيارات المستعملة رغم خطر التعرّض للغش، يقول "أبو ابراهيم" وهو أحد ضحايا ما وصفه بـ "غش تجّار السيارات": "اللاجئون حديثو العهد ولا يملكون النقود الكافية لشراء سيارات جديدة، كما أنّ العديد منهم يخشى الوقوع في الربا إذا توجّه لشراء سيارة عن طريق الأقساط، وفي الوقت ذاته، هم بحاجة للوصول إلى عملهم في الوقت المحدد كما أنهم بحاجة لسيارة تساعدهم على جلب أطفالهم من المدارس ورياض الأطفال أو للتسوق، وفي هذه الحالة لا يكون أمام اللاجئ سوى التوجّه إلى سوق السيارات المستعملة".
وهنا يشدد أبو ابراهيم على أنّ "المشكلة ليست في كون السيارة قديمة، وإنما في حالة الغش التي يقوم من خلالها التجار إما بتزوير الحالة الفنية للسيارة أو بغسل المحرك بشكل مستمر كي لا تظهر أي علامات تهريب زيت عليه، والتكتم عن وجود أعطال في السيارة وعدم إخبار المشتري بذلك"، لافتًا إلى أنّ "العديد من تجار السيارات باتوا بلا ذمة، لا سيما وأنّ الكثير من الأعطال التي تكون موجودة في السيارة إما هي أعطال في المحرك، ما يعني أن السيارة لن تكون قادرة على العمل إلا لأيام قليلة، أو أعطال خطرة على السلامة والأمان بشكل مباشر، وهو ما قد يؤدي إلى حوادث مؤلمة".
(خاص "عروبة 22")