حل الدولتين.. شعار أم حقيقة؟

زخم غير مسبوق شهدناه خلال الأسابيع الأخيرة بشأن موضوع حل الدولتين واعتباره الحل الرئيسي للقضية الفلسطينية، ولا شك أن هذا الزخم قد بدأ ثم تزايد بفعل تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة وما أدت إليه من نتائج مختلفة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية. وفي رأيي أن أهم الأخطاء التي شهدتها عملية السلام طوال السنوات الماضية تمثلت في وقف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 2014 وحتى الآن أي لمدة عقد كامل قامت إسرائيل خلاله بدعم سياساتها في الضفة الغربية، خاصة بالنسبة لتسريع قطار الاستيطان دون أن يحقق الفلسطينيون النتائج التي توازي قيمة وقف المفاوضات.

ومن الإنصاف أن أشير إلى أن معظم عمليات التفاوض التي تمت قبل 2014 شهدت نتائج جيدة حتى ولو لم تكن ملزمة، أهمها مناقشة جميع قضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين والأمن، وكذا التوصل إلى بعض التفاهمات من بينها تفاهمات أولمرت - أبو مازن 2007 وتفاهمات طابا 2001 إلا أن كل هذه المفاوضات لم تنجح في التوصل إلى اتفاق نهائي لأسباب مرتبطة بالأوضاع الداخلية الإسرائيلية والفلسطينية.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يمكن أن يتحول هذا الزخم إلى حقيقة، أم أنه سوف يظل مجرد شعار يتم استخدامه لأسباب سياسية من أجل تهدئة الأوضاع وتجاوز ردود الأفعال السلبية على موقف الحكومات الأمريكية والأوروبية بسبب عدم قدرتها على وقف الحرب على غزة. ومن حيث الشكل يبدو أن مبدأ حل الدولتين هو أمر سهل وقابل للتنفيذ، إلا أنه من حيث الواقع فإن هذا المبدأ سوف يواجه العديد من العقبات التي يمكن أن تؤدي إلى بقائه مجرد شعار براق أهمها: موقف الحكومة الإسرائيلية التي تعارض إقامة دولة فلسطينية، ونشير في هذا المجال إلى موافقة الكنيست بأغلبية 99 صوتا على رفض إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يعد عائقاً أمام أي حكومة قادمة. وإمكانية أن نشهد انتخابات إسرائيلية جديدة بعد الحرب سوف تكون حائلاً أمام أن تكون هناك مفاوضات مع حكومة تصريف أعمال. الموقف الأمريكي الذي سوف يكون مقيداً خلال عام الانتخابات الرئاسية، ومن ثم لن يمتلك أدوات الضغط اللازمة على إسرائيل من أجل دفعها لقبول حل الدولتين. والموقف الفلسطيني الذي لا يزال غير موحد ومدى قدرة السلطة الفلسطينية على أن تحكم القطاع من عدمه، وهل ستكون مؤهلة، لأن تكون شريكاً في عملية السلام في مواجهة رفض إسرائيلي لمجرد وجودها في غزة بعد الحرب. مدى وجود رؤية عربية موحدة بالنسبة لحل القضية الفلسطينية أم سنشهد أكثر من مبادرة مطروحة سوف تضعف الموقف العربي. واستمرار عدم امتلاك الموقف الأوروبي أدوات التأثير تجاه أطراف النزاع رغم تقديرنا للتحركات الأوروبية. وبالرغم من هذه العقبات التي لا بد أن نسلم بوجودها حتى نكون واقعيين، إلا أننا لا بد ألا نخضع لها، وعلينا أن نبحث عن كيفية أن نستثمر الفرصة التي أتاحتها أحداث غزة في أن نبدأ عملية السلام، وأن يكون 2024 هو عام إحياء المسار الفلسطيني الذي يجب أن نشهد خلاله استئناف المفاوضات مع إسرائيل، وكذا التوصل إلى مبادئ مشفوعة بآليات واقعية لحل القضية الفلسطينية ولا مانع من تنفيذها على مراحل.

ولا شك أن الحديث الجاد عن حل الدولتين يتطلب أولاً وعاجلاً تنفيذ مجموعة من الخطوات الرئيسية بإعتبارها المرحلة التمهيدية قبل الخوض في المعركة السياسية أهمها: إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. إجبار إسرائيل على الإنسحاب النهائي من القطاع. دعم السلطة الفلسطينية حتى تكون مؤهلة لممارسة سيادتها على القطاع. الإتفاق على إعادة إعمار غزة وتوفير الدعم المادي المطلوب لذلك لإقناع حماس ـ التي ستخرج بعد الحرب بصورة مغايرة لما قبلها ـ بأن عليها أن تختار إما أن تكون جزءاً من المنظومة الفلسطينية الوطنية بكل التزاماتها، أو أن تغرد خارج السرب. عقب انتهاء المرحلة التمهيدية نبدأ التحرك على ثلاثة محاور رئيسية للبدء في تنفيذ مبدأ حل الدولتين، مع الأخذ في الاعتبار أننا في وضع صعب للغاية يتطلب ألا نسبق الأحداث أو أن نحكم على النتائج مسبقاً، وذلك كما يلي:

المحور الأول: توافق المجتمع الدولي (من خلال مجلس الأمن أو من خلال التنسيق الأمريكي الأوروبي) على المبدأ الرئيسي للمسار الذي سوف يتم انتهاجه والمتمثل في إعادة تأكيد مفهوم حل الدولتين والذي يعني إقامة دولة فلسطينية تعيش في أمن وسلام بجوار دولة إسرائيل وأن يتم ذلك من خلال المفاوضات فقط.

المحور الثاني: تحرك واشنطن مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن والسعودية والإمارات وغيرها إذا تطلب الأمر من أجل التوصل إلى تفاهمات حول طبيعة المفاوضات وتحديد كل الأمور الإجرائية من بينها (توقيت بدء ومكان التفاوض ـ دور الدول الراعية ـ أطراف التفاوض ـ قضايا ومرجعيات التفاوض ـ السقف الزمني للمفاوضات).

المحور الثالث: انطلاق المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على أن تكون بعيدة ـ عقب الجلسة الافتتاحية ـ عن الإعلام وأن يتم تشكيل مرجعية دولية محدودة العدد يمكن الرجوع إليها في حالة وجود خلافات جوهرية داخل المفاوضات لا يمكن للأطراف التغلب عليها. وفي النهاية فإن المسؤولية المباشرة حاليا تقع على الجانبين الفلسطيني والعربي، فيجب أن يكون لديهما موقف واضح متوافق عليه بشأن الحل، سواء كان مبادرة السلام العربية كما هي أو تعديل بعض بنودها أو رؤية جديدة، وأن يتم من الآن تسويقها حتى يكون لدينا ما يمكن إنجازه بشأن القضية الفلسطينية بعد انتهاء الحرب على غزة.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن