صحافة

هل فقدت أمريكا رصيدها الأخلاقي؟

السيد أمين شلبي

المشاركة
هل فقدت أمريكا رصيدها الأخلاقي؟

أثار موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن من التأييد المطلق على كل المستويات: العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية، للحرب النازية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، ومشاهدة عشرات الألوف من الضحايا وتدمير كل مقومات الحياة في غزة، أثارت هذه المشاهد تساؤلات نخب أمريكية، وقطاعات واسعة من المجتمع الامريكي، رفضهم هذا الموقف وتساءلوا عن تأثير هذا على صورة أمريكا في العالم وفقدانها رصيدها الأخلاقي الذي يمثل القوة الناعمة الأمريكية، يجعلنا هذا نستدعي ما أطلقه عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي لنظريته عن القوة الناعمة التي تمتلكها أمريكا من ثقافة، وسينما، ونمط حياة ومبادئ الحرية، والديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلخ. واعتبر ناي وتحت تأثير الاستخدام المفرط للرئيس الامريكي جورج بوش الابن، للقوة العسكرية في حروبه ضد العراق وأفغانستان، أن أمريكا تستطيع، باستخدامها لقوتها الناعمة ومن خلال الاقناع وليس القسر أن تحقق أهدافها بأكثر من القوة العسكرية.

وقد تعرضت نظرية ناي لملاحظات وانتقادات عدد من المؤرخين الامريكيين، وكان أكثر من تصدوا له عالم السياسة الأمريكية روبرت كاجان في كتابه صناعة أمريكا العالمية. في هذا الكتاب جادل كاجان أن أمريكا قد فقدت سلطتها الأخلاقية، ومن ثم قوتها الناعمة من زمن بعيد مستعيدا عدداً من السياسات الامريكية التي تراجع معها الإعجاب بالقيم الأمريكية. في هذا يقول كاجان ان الحقيقة التاريخية أكثر تعقيداً، فخلال العقود الثلاثة بعد الحرب الثانية. فإن أجزاء كبيرة من العالم لم تعجب بالولايات المتحدة، ولم تشأ تقليدها، ولم يكونوا بوجه خاص راضين عن إدارة شؤونها الخارجية، حقيقة أن وسائل الإعلام الأمريكية كانت تنشر الثقافة الأمريكية، ولكنها كانت تنشر صوراً لم تكن دائما جاذبة، ففي الخمسينيات كان العالم يشاهد الصور التليفزيونية عن جوزيف مكارثي وهو يصطاد الشيوعيين في وزارة الخارجية وهوليود، وكانت السينما الأمريكية تصف الرأسمالية الخانقة، وكانت الروايات الأكثر مبيعا مثل الأمريكي الكئيب ترسم صورة الأمريكي المتنمر والفظ.

كما كانت المعارك تجري حول التفرقة العنصرية في الخمسينيات والستينيات، والصور التي كانت تنقل عالميا حول البيض، وهم يبصقون على تلاميذ مدارس السود، وإطلاق الكلاب على مظاهرتهم، وهكذا كانت العنصرية الأمريكية تدمر صورة أمريكا في العالم.

وفي نهاية الستينيات والسبعينيات جاء اغتيال مارتن لوثر كينج، وجون كيندي، ثم فضيحة ووتر جيت، التي هزت العالم، كذلك لم يجد معظم العالم السياسة الخارجية الأمريكية جذابة خلال هذه السنوات، وتطلع أيزنهاور إلى أن يجعل دول العالم الثالث: تحبنا أكثر مما تكرهنا، إلا أن العمليات التي نفذتها وكالة المخابرات الأمريكية في الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في جواتيمالا لم تساعد على ذلك، وفي عام ١٩٥٧ صاحت المظاهرات في وجه نائب الرئيس نيكسون ارحل من هنا, لن ننسى جواتيمالا.

وفي عام ١٩٦٠، ليس فقط في أمريكا اللاتينية، ولكن أيضاً في الولايات المتحدة، ثم جاءت فيتنام بكل دمارها وفي مشاهد النابالم، ومذبحة ماي لاي والتوغل السري في كمبوديا، وضرب هانوي الذي أثار التصور العام عن قوة إمبريالية أعظم تضرب بلدا صغيرا استهجانا من العالم الثالث، وعندما زار نائب الرئيس هيوسورت همفري برلين الغربية عام ١٩٦٧ هوجم المركز الثقافي الأمريكي، واحتج آلاف الطلاب، وانتشرت الشائعات عن محاولات احتجاج. وفي عام ١٩٦٨ عندما نزل ملايين الشباب الأوروبي إلى الشارع، لم يكونوا يعبرون عن إعجابهم بالثقافة الأمريكية، وكما عبر أحد الرسميين في إدارة جونسون: إن ما نفعله في فيتنام وأماكن أخرى يمثل عبئا ثقيلا علينا أن نتحمله في العالم الأفروآسيوي وفي أوروبا خلال هذا كان قادة حركة عدم الانحياز: نهرو وناصر وتيتو، وسوكارنو ونكروما فإن بعضهم كانوا يحملون الاستياء العميق ضد السياسات الاستغلالية وعنصرية الغرب، وتحول هذا من السادة الاستعماريين القدامى إلى الولايات المتحدة، عندما أصبحت قوة عظمى ومن الستينيات حتى نهاية الحرب الباردة أصبحت الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراً للتعبير الدائم عن المعاداة للولايات المتحدة.

اليوم وبعد ما أثارته أحداث غزة من استياء شعوب العالم، وتدفق جماهيرها في عواصمها، بما فيها العاصمة الأمريكية، من موقف بايدن وإدارته، فهل سيظل جوزيف ناي على تقديره للقوة الناعمة الأمريكية وجاذبيتها؟. اما روبرت كاجان فسوف تضيف الحرب في غزة التي جعلت أمريكا شريكا فيها، إلى السياسات الأمريكية التي رصدها منذ الستينيات وأثارت استياء شعوب العالم مما سماه صمويل هنتجتون سلوك امريكا المتطفل والاستغلالي والأحادي المهمين وجعلها تبدو في نظر العالم القوة الوحيدة.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن