قضايا العرب

"سدّ النهضة": المسارات المحتملة لحسم النزاع المصري - الإثيوبي

القاهرة - آية أمان

المشاركة

فتح لقاء القمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بابًا جديدًا للتفاوض من أجل حسم الخلافات الفنية والقانونية حول ملء وتشغيل سد النهضه الإثيوبي، وذلك بعد توقف دام أكثر من عامين (منذ أبريل/ نيسان ٢٠٢١)، استمرت خلالهما السجالات والاتهامات على المستويين الرسمي والشعبي بين البلدين، فيما مضت إثيوبيا في تنفيذ مخططها لبناء السد وتخزين المياه خلفه دون توقف.

وفقًا للبيان المشترك الذي صدر قبل أيام عقب لقاء السيسي وآبي أحمد، ناقش الجانبان «سبل تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي» وتوافقا على «الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، والانتهاء منها خلال أربعة أشهر».

الجانب الإثيوبي شدد على التزامه أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024، بـ«عدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكل من البلدين».

لم يحدد البيان المشترك المشار إليه تفاصيل البنود التي قد تشملها المفاوضات، وعما إذا كانت النقاط الخلافية في المفاوضات السابقة ستكون محل نقاش مرة أخرى أم يمكن تجاوزها، فضلًا عن عدم الإعلان عن الآلية التي ستتم عبرها هذه المفاوضات على المستوى الثلاثي لمصر والسودان وإثيوبيا فقط أم سيكون هناك وساطه إقليمية أو دولية كما كان الحال من قبل تحت رعايه الاتحاد الإفريقي وبعض الجهات الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي؟.

أوساط مصرية رسمية: المفاوضات هي السبيل الآمن الوحيد للخروج من هذا النزاع

في ردود الفعل المبكرة، رحّبت أوساط رسمية مصرية بنتائج لقاء القمة، باعتباره «تحريكًا للمياه الراكدة وفرصة جديدة من أجل بناء الثقة والتأكيد على حسن النية بين الأطراف المتنازعة»، وذهبت بعض المصادر الرسمية المصرية إلى أنّ ما جرى خطوة يمكن البناء عليها، ذلك أنّ «المفاوضات هي السبيل الآمن الوحيد للخروج من هذا النزاع في وقت يشهد فيه الإقليم أحداثًا من عدم الاستقرار الأمني والسياسي تهدّد حالة السلم والأمن الإقليمية والدولية بالنظر إلى مصالح القوى الدولية الكبري في المنطقة، بخاصة أمريكا وروسيا والصين، والقوى العربية أيضًا والخليجية على وجه الخصوص».

كان مسار المفاوضات حول سد النهضة منذ بداياته إبان حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميلس زيناوي، ثم خلفه هيلاماريم ديسالين حتى حكومة آبي أحمد، دائم التعثر، ورغم تتابع مسارات التفاوض وتغيّر المفاوضين ظلّت البنود الرئيسة محل خلاف عميق بين توجّه واستراتيجية الطرفين المصري والإثيوبي في إدارة المياه بحوض النيل الشرقي، إذ تتمسك إثيوبيا بحق السيادة وتعتبر نفسها المالك الشرعي للنهر الذي ينبع من أراضيها ولها حق أصيل في تطويع مياهه من أجل خدمة مصالحها وتحقيق التنمية لشعبها والتسويق لمفاهيم الهيمنة المائية والأمن المائي وحق الشعوب في التنمية المستدامة، وبين رؤية مصر التي تتمسك بقوة بحقها في الحفاظ على حصتها المائية واستخداماتها الحالية من مياه النهر دون تعريض تدفقات المياه لأي مخاطر محتملة خاصة في فترات الجفاف بما ينقص من مخزونها الاستراتيجي من مياه النهر في بحيرة السد العالي.

شكوى المفاوض المصري كانت دائمًا من عراقيل أديس أبابا لكسب الوقت واستكمال البناء وملء البحيرة

طوال مسار المفاوضات حول سد النهضة على المستوى الفني والقانوني والدبلوماسي والأمني، كان هناك تدخل على المستوى الرئاسي من أجل الدفع بحلول، إلا أن التدخلات الرئاسية السابقة لم تشهد التزام الجانب الإثيوبي، اذ كانت شكوى المفاوض المصري دائمًا من وضع أديس أبابا لعراقيل تستهدف إطالة أمد المفاوضات من أجل كسب الوقت واستكمال بناء السد وملء بحيرة التخزين، وهو ما تحقق بالفعل حيث وصلت القضية إلى محطة الملء الرابع للسد دون موافقة رسمية من القاهرة والخرطوم أو بلورة اتفاق قانوني ملزم لأطراف الأزمة.

أثيوبيا عن نهر النيل: «هبة ربانية» لأرض الحبشة

وفيما بدا أنه رد على المخاوف المصرية السودانية من نوايا إثيوبيا، أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي بيانًا باللغة العربية السبت الماضي 15 يوليو / تموز، بعنوان «إثيوبيا تحفظ الأمانة»، استخدم فيه تعبيرات ومصطلحات دينية عن «الأمانة والوفاء بالعهود»، مشددًا على أنّ نهر النيل «هبة ربانية وأمانة لأرض الحبشة تشارك جيرانها فيه».

ورغم اللغة الودودة التي خاطب بها آبي أحمد جيرانه إلا أنه عبّر بشكل واضح عن رؤية بلاده في إدارة المياه، بالدفاع عن فكرة تخزين المياه في الهضبة الإثيوبية على أساس أنه «من ضمن الفوائد التنموية لسد النهضة، تخزين مياه النيل بشكل كاف حيث يكون أفضل ضمان للجميع في حالات الجفاف الصعبة». وتلك النقطة هي محور الخلاف الفني في المفاوضات عن التدابير الخاصة بالتعامل في حالات الجفاف والجفاف الممتد.

الوساطة الأفريقية متعذرة... والجدول الزمني يحسم محاولات المماطلة

وتتجه التوقعات لأن يكون مسار المفاوضات مقتصرًا على المستوى الوطني بمشاركة وتمثيل فني وقانوني ودبلوماسي من مصر والسودان وإثيوبيا، حيث تتعذر الوساطة الأفريقية هذه المرة، بخاصة مع المواقف المتشددة للاتحاد الأفريقي تجاه السودان في ظل استمرار الحرب في الخرطوم، وعدم تقديم أي من القوات الدولية الفاعلة لمبادرات جديدة حتى هذه اللحظة، وهو ما كانت تسعى له إثيوبيا خلال المفاوضات السابقة بإبعاد أي مشاركات لأطراف دولية من قبيل المراقبة.

يذكر أن تحديد جدول زمني للمفاوضات في حدود 4 أشهر من أجل التوصل لاتفاق ملزم للأطراف الثلاثة قد يكون بناءًا لحسم أي محاولات للمماطلة الإثيوبية، التي طالما اشتكت منها القاهرة في جولات التفاوض السابقة، حسب وصف بيانات صحفية سابقة لوزارة الخارجية المصرية، إلا أنّ صعوبة تمثيل حكومة السودان في المفاوضات بسبب عدم الاستقرار واستمرار الحرب في الخرطوم قد يعرقل صياغة اتفاق تتوافق عليه الأطراف الثلاثة بشكل حاسم.

وفقًا للصياغة العامة التي اتسم بها البيان المشترك للرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي، فإن مسار المفاوضات قد يكون اتفاقًا مرحليًا وليس شاملًا، إذ يركّز بالأساس على قواعد تشغيل السد وإدارة المياه المخزنة بالفعل، حيث تتجه المؤشرات الحالية إلى استقرار الوضع المائي في النهر وارتفاع نسب هطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية بما يحقق معدلات آمنة من الفيضان.

إلا أن هذا المسار المرحلي لن يكون مطمئنًا للقاهرة التي تتمسك بتوقيع اتفاق شامل وملزم للأطراف الثلاثة حتى لا تكون إدارة وتشغيل السد مسارًا للتفاعلات السياسية وتغيّر المواقف، خصوصًا مع تاريخ الحساسية وعدم الاستقرار في العلاقات المصرية الإثيوبية، وهو ما يصعب تحقيقه في غضون أربعة أشهر بالنظر إلى التاريخ المتعثر للمفاوضات. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن