لقد ضاقت أرض غزة بما رحبت لإنقاذ أهلها من الجوع برًا. فلجأوا لإنقاذهم جوًا عبر الإسقاط المظلي نهارا وليلا. وهو ما قامت به طائرات نقل مصرية بدعم ومعاونة طائرات من الأردن والإمارات وقطر وفرنسا, ثم مؤخرا من الولايات المتحدة.
وقد تم توجيه معظم الإمداد المظلي المُسقط جوا الى الجزء الشمالي من قطاع غزة الأكثر معاناة وتعرضا لخطر المجاعة رغم قلة كثافة سكانه نسبيا بالمقارنة بوسط وجنوب القطاع المكدس بالسكان. وذلك نظرا لقلة الإمدادات المعيشية التي يُسمح لها بالنفاذ من معبر رفح الى جنوب ووسط غزة نتيجة التعنت الإسرائيلي بحجة التفتيش عن أي مواد قد تستخدم في المجال العسكري الغزاوي مثل بعض المعلبات التي يمكن ان تستخدم فوارغها كعبوات ناسفة على حد قول الاسرائيليين! , مما ادى الى تراكم قرابة 1000 شاحنة على الجانب المصري لمعبر رفح وهو ما أعلنه الامين العام للامم المتحدة انطونيو جوتيريش.
وقد بذل المظليون والطيارون من مصر والدول الشقيقة والصديقة مجهودات كبيرة لإيصال اكبر كمية ممكنة من المساعدات والإمدادات عن طريق الإسقاط الجوي بالمظلات وهم مستمرون في بذل المزيد من الجهود رغم الصعوبات التي يمكن الإشارة الى بعضها مثل مساحة القطاع الشمالي المستهدف والتي تبلغ قرابة ثلث مساحة القطاع ككل وبالتالي تنتشر العبوات المٌسقطة على مساحة كبيرة بهدف إفادة اكبر عدد من السكان رغم انتشارهم العشوائي نتيجة الاعمال العدائية الاسرائيلية، وعدم وجود تنسيق بين المستفيدين نظرا للظروف الضاغطة. والعرض المحدود لشمال القطاع (6-7 كم) بالمقارنة بزمن الاسقاط. ونظرا لإجراء معظم الاسقاط ليلا لاغراض التأمين. وفي حالة استمرار الحرب على غزة لمدة طويلة, قد يتم التفكير في الامداد البحري او بالهيليكوبتر، والأخير تحكمه محددات التأمين. اما البحري فرغم كبر طاقته فيحكمه عدم جاهزية ميناء غزة البحري كونه مرفأ صيد محدودا. ورغم ذلك لم تكن عمليات الإسقاط المظلي للإمداد جوا التي تمت او ستتم, من السهولة بمكان رغم بساطة فكرتها النظرية, التي تتلخص في وصول عبوات الامداد الاداري الى الارض بعد فصل (البراشوتات) وتفريغ العبوات وتوزيع محتوياتها. بل هي نتاج عمليات رياضية متداخلة بين عدة عناصر هي (طائرة النقل- العبوة المسقطة - حسابات الريح - الطقس - العنصر البشري) كالآتي:
طائرة النقل: حيث طاقة التحميل والمسافات والسرعة العامة وعند الاسقاط وارتفاعات الطيران وهل الاسقاط فردي ام ضمن تشكيل وزوايا الدخول والخروج للطائرة (وتمت فعلياً لكل الطائرات العربية والاجنبية بالدخول من اتجاه البحر المتوسط والخروج بحزاء الساحل من الشمال الى الجنوب) وعكس الريح السائدة واندفاع العبوات في الهواء مما يزيد مقاومتها ويقلل من سرعتها.
العبوات: من حيث العدد والوزن والحجم ومخففات الصدمة بالارض وعدد مظلات الاسقاط ونوعها وأسلوب فصلها بوصولها للأرض لعدم الجرجرة.
حسابات الريح: وسرعتها طبقا للارتفاعات وخاصة الريح السطحية وعلاقتها بمكان نقطة بدء الاسقاط طبقا للإحداثيات و( GPS) ومساحة منطقة الإسقاط وتمييزها نهارا او ليلا.
الطقس: وهو ما يرتبط بالحرارة والرطوبة والضغط الجوي والامطار والثلوج وبدء الضوء والإظلام.
العنصر البشري: وهو ما يخص طاقم الطائرة من الطيارين والملاحين والفنيين، وطاقم المظليين لاعداد العبوات وتحميلها فوق منزلقات قاع الطائرة. وقد يضاف للعنصر البشري تخطيط وتعليم مناطق الاسقاط ومراقبة سرعة الرياح السطحية, وهو ما لم يحدث لوجود القوات الإسرائيلية.
تلك فكرة سريعة لتوضيح الحقائق والاحتمالات وتثمين الجهود التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية والعربية دون مزايدة احتراما للأرواح والدماء في غزة.
("الأهرام") المصرية