وجهات نظر

"تازة قبل غزة"

في كانون الثاني/ يناير من العام 2009، التأمت القمة العربية الطارئة بالدوحة. كان من المفروض أن يحضرها ملوك ورؤساء البلدان العربية للتداول، وبمكر من الصدف، في العدوان الإسرائيلي الذي كانت تتعرض له غزّة في حينه، أي منذ كانون الأول/ ديسمبر من العام 2008.

اعتذر من اعتذر وحضر من حضر، وكان المغرب من ضمن من اعتذروا، إلى جانب السعودية ومصر وتونس وما سواهم. بيد أنّ مبررات المغرب في تغيّبه عن القمة في شخص الملك والعدوان على غزّة مستمر وعلى أشده، يستحق التأمل حقًا، لأنّه يوحي كما لو أنّ التاريخ يعيد نفسه، قياسًا إلى ما هو يجري اليوم في القطاع المنكوب.

يقول بيان الديوان الملكي الصادر بتاريخ 15 كانون الثاني/ يناير 2009: "إنّ القرار الملكي ينطلق من حيثيات موضوعية واعتبارات مؤسفة، متمثلة في الوضع العربي المرير، الذي بلغ من التردي ما لم يسبق له مثيل في تاريخ العمل العربي المشترك". ويتابع: "إنّ مجرد طرح فكرة عقد قمة عربية استثنائية، أصبح يثير صراعات ومزايدات تتحول أحيانًا إلى خصومات بين البلدان العربية... هذا السياق المشحون بالشقاق يعطي الانطباع للرأي العام العربي، بوجود جو مطبوع بمحاولات الاستفراد بزعامة العالم العربي".

ويختم البيان بالقول: "إنّ الأمر يكاد يبلغ بالبعض حد اختزال القمم العربية على أهميتها، في لحظة الاجتماع نفسه، والظهور أمام وسائل الإعلام، مما يفضي إلى تبخيس الرهان الأساسي للقمة في المجادلة حول مكانها وزمانها وموضعها، والاحتساب الشكلي لنوعية الحضور ومستواه، واستنزاف فعالياتها في ملاسنات معمّقة للجراح" (انتهى الاقتباس).

هذا كلام كبير، صادر عن أعلى سلطة ببلد يُعتبر من مؤسّسي جامعة الدول العربية. لكنه كلام واقعي وحقيقي، ولا يمكن تغافله، إذ باتت القمم العربية غاية في حد ذاتها، وبات المجهود مضاعفًا لضمان حضور الملوك والرؤساء، ولكأنّ الحضور وحده كافٍ، أو هو عربون وحدة الصف ونجاح القمة، بصرف النظر عمّا ستتداول فيه، أو ما سيترتب عن توصياتها من خطوات عملية لوقف العدوان.

إن صدق الشعار، فمعناه ركوب ناصية الحياد السلبي من باب أنّ "أهل غزّة أدرى بأنفاقها"

قيل في حينه إنّ السر خلف تخلّف الملك محمد السادس عن حضور القمم العربية، إنّما تركيزه الشديد على أوضاع المغرب المستعجلة وإيلاؤها الأولوية، وتبرمه بالتالي عن مبادرات تستنزف الطاقات بلقاءات شكلية، صورية، رتيبة ولا وقع لها على الأرض يذكر. فكان شعار "تازة قبل غزّة".

وقصة الشعار أعلاه، أنّ الملك التقى منذ سنوات بفتاة صغيرة، تجرأت وتقدمت نحوه قائلة: "جلالة الملك. لا أطلب منكم شيئًا، لكن مدينتي تموت. أرجوكم أن تزوروا تازة حتى تتغيّر للأفضل".

وتازة مدينة صغيرة توجد بالشمال الشرقي للمغرب، يقتات أهلها على الفلاحة والرعي، لكنها تعدم مقومات النهوض وسبل التنمية، لربما شأنها في ذلك شأن العديد من مدن وقرى المغرب العميق.

المغرب لم يتنكر يومًا لموقفه عندما جعل مقام القضية الفلسطينية من مقام الوحدة الوطنية

بيد أنّ الشعار إن صدق، فهو يعني تبرم المغرب الرسمي عن قضايا العرب والمسلمين، والتركيز على قضاياه بمشاريع لمحاربة الهشاشة والفقر والإقصاء. وإن صدق أيضًا، فمعناه ركوب ناصية الحياد السلبي من باب أنّ "أهل غزّة أدرى بأنفاقها"، ومن باب أنّه لو كان المغرب ضمن من بيدهم الحل والعقد في الأمر، لمّا تأخر.

يبدو أنّ شعار "تازة قبل غزة" هو شعار قول يحيل صوبًا على الباطل. إذ الطرح بهذه الصيغة لا يمكن أن يقوم، فما بالك أن يستقيم. لا تراتبية بين المستويين إذن، وإلّا سنكون كمن يحمل تازة وزر غزّة، وهي براء منه ولا تتبناه. والدليل أنّ المغرب لم يتنكر يومًا لموقفه، عندما جعل مقام القضية الفلسطينية من مقام الوحدة الوطنية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن