بصمات

.. في تماثل الساحر والسياسي!

سعيد علي نجدي

المشاركة

في عدة أحيان يختبئ الفعل وراء اللغة ويتوارى بالكلمات، أي أنّ حقيقة الشيء لا تبدو نظرًا إلى عملية تصدير كبيرة للكلمات، التي تعمل على الإبهار كأنها أشبه بالفلاش الذي يخرج من الكاميرا التي تشد انتباه الناس، باللعب على مختلف العصبيات، منها ما له علاقة بالعصبية الطائفية والمذهبية، ومنها ما له علاقة بالعصبية القرابية، أو المناطقية، أو الحزبية والايديولوجية، أي أنّ لكل واحدة من هذه العصبيات آليات في تصدير هذه الفلاشات التي تعمي العيون وتحجب الوعي.

.. في تماثل الساحر والسياسي!

يذكر كلود ليفي ستراوس عن نجوع السحر، بأنه اعتقاد وثقة الرأي الجماعي بالساحر، وفي هذا يشترك السياسي مع الساحر في هذه الخاصية فقوّته في اعتقاد وثقة الرأي العام به.. وبحسب مارسيل موس فإنّ مميّزات السحرة هي في أنهم يشتركون بقسط من الذكاء في أوساط مجتمعية ساذجة وبأن لديهم مواهب خطابية وشعرية ونفحة عصبية متوترة، والسياسي يتمتع إلى حد ما بهذه الصفات وهو ما يذكره توم بوتومر عن النخبة الحاكمة أيضًا.

الساحر والسياسي كلاهما لديهما رغبة "توليد الأوهام"

الشبه بين الساحر والزعيم، تكمن في أنّ الاول يعتبر أنّ السحر صنعة التغيير (المايا) وكذلك فيما يخص الثاني لأنّ بنية خطابه تتمحور على إيهام الجمهور بتغيير الواقع وبأنه ينشد المستقبل وهنا تحضر أدوات "اللغة اليوتوبية". إنّ السحر هو خليط من الصور، كذلك السياسي فإن ما "يلعبه"، كما يشير بول ريكور عن السلطة، هو في إنتاج صور تخيّلية لملء الفراغات السحر ضرب من ضروب العلم التقليدي، كما يشير فريزر، لأنه وبرأيه يضطلع بوظيفة العلم لأنه نوع من المعرفة. إنّ للسحر قانونًا يسمى حسب تايلور بقانون (التجاور)، وهو مماهاة الجزء بالكل من خلال الجسد، وهذا قريب مما قاله جيل دولوز في تمثّل عالم السلطة التي تتمتع بقانون يحفر على الجسد ضميره.

إن تقنيات الإثنين شبيهة لناحية استخدام الماضي كأداة، الساحر عبر (تندالوس) أرواح الآباء الأولين، أما السياسي (الزعيم المشتغل بحقل القوة) ولإدماج الجماعة فيستخدم أحداث الماضي كالمؤامرة لتعبئة الجماهير، وفي هذا دور باللعب على العاطفة لشد عصب الجماعة ولإعادة إنتاج الهوية. ويسعى الساحر إلى جعل الروح غير حرّة من حيث المبدأ لهذا يجهد لتصبح معه خادمًا لسحره، وهذا ما يحاول الزعيم الوصول إليه فالسلطة هي للإمساك والتحكم بأرواح الجماعة.

يضطلع السياسي بدور شبيه بالساحر.. وقوة سحره بقلب الوعي

الساحر والسياسي، كلاهما لديهما رغبة "توليد الأوهام" بشكل دائم، لأنّ الاوهام وسيلة من أجل الحكم والقوة عبر طقوس لكل منهما، فكما أنّ للسحر طقوسًا فإنّ للسياسة طقوسًا أيضًا (كشعائر الاحتفال بالمناسبات الدائمة)، كما أنّ الساحر يستعمل العنف الرمزي (كتقطيع الأوصال ثم إعادة وصلها) كذلك فإنّ السلطة هي استعمال مشروع للعنف (ماكس فيبر).

يضطلع السياسي بدور شبيه بالساحر من خلال إنتاج الاعتقادات والقناعات لدى الناس، لدرجة صار معها المقتنع يبرّر مخالفات الزعيم أكثر من الزعيم نفسه، وهو بالتالي مستعد للتضحية بروحه من أجله، وهنا قوة سحر السياسي بقلب الوعي (...) وهذه مقاربة أولية لتماثل بعض الأشكال ما بين حرفة السياسي، وحرفة الساحر، في فعل التأثير على الناس، فمن خلال الملاحظات لنماذج الفعل السياسي المتعددة والتي تعاقبت على الأنساق العربية نجد أننا ما نزال أمام عقلية واحدة وإن اختلف "القشر البرّاني". 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن