صحافة

نابليون و"بيبي" .. الأصل والصورة!

أنور عبداللطيف

المشاركة
نابليون و

اليوم 19 مارس .. كل عام ومصر بخير، ذكرى تطهير طابا من دنس الاحتلال الإسرائيلي عام 1989، بعد معاهدة السلام والتي يعتبرها مجرمو الحرب على غزة هي بداية النهاية لدولة إسرائيل، واليوم أيضا يوافق الذكرى 225 لاندحار جيوش نابليون وأحلامه على أسوار عكا عام 1799، ثم تشتت جنوده بفعل المرض والأوبئة وهجمات سكان البلدات الفلسطينية الشجعان بأسلحتهم البدائية رغم المذابح والدمار وضربات المدفعية والمنجنيق و«القنابر» التي لم تبق حجرا على حجر!

والحقيقة أن علاقة نابليون ونتنياهو هي علاقة الأصل والصورة، فكلاهما اعتمد الاحتلال وسيلة للبقاء في السلطة، نابليون كان يخطط للوصول الى السلطة في باريس تبدأ باحتلال مصر والشام وخنق الدولة العثمانية، وكان يرى أن جميع الأمجاد العظيمة في باريس تبدأ احتلال الشرق والسيطرة على طريق التجارة الى الهند كوسيلة لإنهاء الفوضى والحالة الثورية في باريس، أما نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون يرون أن وقف الحرب على غزة ليس فقط نهاية حكمهم بل هو نهاية الدولة اليهودية نفسها!

ويتلاشى الشبه تماما بين الأصل والصورة في النظرة الى الجيران أو الشعوب المحتلة، فنابليون وقادته كانوا يتوددون إلى العرب وينافقون بكل الوسائل وحملوا معهم الهدايا والمطبعة والعلماء في مختلف التخصصات للدراسة والفهم واحتواء الشعوب، وكانوا ينفون عن أنفسهم أنهم غزاة بل جاءوا في مهمة حضارية، الإخاء والمساواة، وتظاهروا باحترام اهل الديانات، وأن الجنود الفرنسيين سيتمّ استقبالهم كمحرّرين للشعوب المحلية التي تريد الخلاص من وصاية المماليك والحكم العثماني، وعلى العكس فإن عصابة نتنياهو يطاردهم الخوف من نظرتهم لجيرانهم ويرون أن نهاية حلمهم رهن بوجود كلمة فلسطين، ومن لم يخدمهم فهو متآمر عليهم، ومتربص بهم وحثهم الكتاب المقدس في سفر التثنية الإصحاح العشرون ـ : (اماً المدن التي تحاربها ثم توقع معهم الصلح ودفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف أو يكون لك للتسخير ويستعبد لك، اما من لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها حتى تغتنم لنفسك النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، وتأكل غنيمة أعدائك ولا تستبق منها نسمة)، وقياسا على ما يجري الآن في الحرب على غزة لا فرق عند حكام الصهاينة بين من يقع في الأسر مثل الضفة الغربية والقدس وبين المدن التي تحاربك مثل قطاع غزة، التفويض في الحالتين، فهي غنيمة لك لا تستبق منهم أحدا!

وهذا المبدأ الذي تبنته العصابة الصهيونية ما جعلها حركة عنصرية متوحشة شخصها قرار الجمعية العامة الصادر عام ١٩٧٥ (لتبنيها سياسات إهدار كرامة الانسان وحرمته والسلب الوحشي لحقوق ومكتسبات الغير)، ورغم إلغاء قرار الجمعية العامة بعد مؤتمر مدريد للسلام عام ١٩٩١ لم تبد حكومات اسرائيل أي نية للسلام الحقيقي واعتبر نتنياهو اتفاق أوسلو وأي حقوق لشعب فلسطين بأنه جريمة!

لذلك اندهشت من تصريح الرئيس بايدن منذ أيام بأن نتنياهو لم يستبعد قيام دولة فلسطينية ثم زال اندهاشي عندما قرأت النفي العاجل من مكتب نتنياهو ردا على تصريح الرئيس الأمريكي «بأن رئيس الوزراء لم يغير موقفه الثابت منذ سنوات بأنه لا سلام إلا بعد القضاء على الارهاب، وان تظل سيطرة إسرائيل أمنيا على القطاع»، ومعنى ذلك أن وعود «بيبي» للسلام تتحقق بعد إبادة الشعب الفلسطيني، ويسكن الخراب في البر والبحر حينئذ لا مانع أن نتفاوض على شكل السيادة الفلسطينية على القطاع!

أما علاقة حكومة نتنياهو بالمحيط العربي، الجيران، فهم يتبعون الاستراتيجية التي لخصها ديان في مذكراته أن بقاء إسرائيل مرهون بان ينشغل العرب بتناقضاتهم المذهبية وصراعاتهم مع بعضهم ومع جيرانهم، والانشغال بمصالحهم لنسيان قصة فلسطين، وهي الرؤية التي لخصها المفكر الكبير عبدالوهاب المسيري رحمه الله: أن بقاء إسرائيل ليس مرهونا بتماسكها الداخلي لكنه يأتي دائما من خارجها.. الدعم المطلق من الولايات المتحدة والغياب المطلق من العرب!

ورغم مرور 225 سنة على بداية انهيار حلم نابليون على الشرق أمام بسالة أهل عكا فإن أسلوبه في استخدام شعارات الحرية والانسانية في التودد والتقرب للعرب لا يزال قائما تتبناه الحكومات الغربية، وحكومة بايدن لا تمل ترديد الحرص على إدخال المساعدات للفلسطينيين من البر والجو وأخيرا عمل ميناء بحري ظاهره إدخال المساعدات من البحر، إلا أن أحدا لم يأخذ قرارا حاسما لإجبار حكومة نتنياهو على وقف الحرب بوقف تصدير السلاح أو التهديد بقطع العلاقات أو فرض عقوبات على الحكومة العنصرية في تل أبيب!

واختفت في سلوكياتهم ما يشير إلى احترامهم لمبادئ ثورة نابليون عن الحرية والمساواة لصالح دعاة الحرب والإبادة، كما اختفت دعوة المتنبي فى قصيدته «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» التي صارت «ويجني مرار العيش من عاش صادقاً ويظفر بالعيش الهنيء المخادعُ / ويرقى إلى العلياء من باع نفْسَهُ وقادته نحو المخزيات المطامعُ»!.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن