عرض رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على مجلس الحرب الاسرائيلي في ٢٣ فبراير الماضي خطة مقترحةً تتعلق بالتصور الاسرائيلي لكيفية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي على القطاع. تشمل الخطة المقترحةً أبعادا عسكرية وأمنية وإدارية تصطدم كلها بالمقترحات الفلسطينية والعربية والأمريكية التي تناولت مستقبل قطاع غزة عندما تنسحب القوات الاسرائيلية من القطاع.
الخطة المقترحة تستند إلى فرضية حق جيش الاحتلال في الاحتفاظ بحرية دخول القطاع في أي وقت يراه ضروريا لاعتبارات أمنية إسرائيلية.
من الناحية الأمنية يتم تقسيم القطاع بين شماله وجنوبه في القطاع الأوسط الذي يمتد لمسافة خمسة أميال من حيث العرض، بحيث يتم منع تهريب السلاح من الجنوب للشمال، وكذلك السيطرة على تحركات عناصر المقاومة الفلسطينية من حماس والجهاد الإسلامي عبر اراضي القطاع، وهو ما سيلزم حسب الخطة المقترحة إيجاد الوسائل والإمكانات التي تتيح لاسرائيل منع دخول السلاح لقطاع غزة من الجنوب عند الحدود المصرية مع غزة، والسيطرة على حركة الدخول والخروج عبر معبر رفح بالتنسيق مع الولايات المتحدة من جانب ومصر من جانب آخر (حسب خطة نتنياهو). وهو ما تعارضه مصر شكلا وموضوعا.
وتقوم قوات الاحتلال بإنشاء جدار أمني يفصل الأراضي الاسرائيلية عن غزة بالكامل.
ومن الناحية الادارية، تتحدث الخطة عن إيجاد عناصر فلسطينية لا علاقة لها بحركات المقاومة الفلسطينية ولا بالسلطة الوطنية الفلسطينية تدير الحكم المحلي، وتكون مسؤولة كذلك عن الحفاظ على الأمن العام مع تحديد نوعية السلاح الخفيف الذي ستستخدمه لهذا الغرض.
من ناحية اخرى، تناولت الخطة المقترحة موضوع نزع السلاح ومحاربة ما سمته دعاوى التطرف والحض على الكراهية. وتجدر الإشارة إلى ان الخطة تدعو الى تفكيك وكالة غوث اللاجئين، وان تحل محلها وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة في النهوض باختصاصاتها في مجالات الصحة والتعليم والمساعدات الإنسانية.
الخطة الإسرائيلية عن اليوم التالي بكل عناصرها جاءت منسجمة مع طروحات اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الراهنة بالنسبة لمستقبل كل من قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك قرارها وقرار الكنيست الاسرائيلى في الأسابيع الماضية برفض قيام دولة فلسطين (حل الدولتين) دون موافقة الحكومات الإسرائيلية، وأنها ـ أي الحكومة والكنيست ـ يعارضون قيامها دون مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ودون شروط مسبقة.
والجدير بالذكر أن نتنياهو لم يؤيد ولم يقم بنفي المطالب من داخل حركة المستوطنين برعاية ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي بإعادة استيطان قطاع غزة مرة أخرى. وتزامن مع ما تقدم الموافقة المبدئية على إقامة الآف من الوحدات السكنية في عدد من المستوطنات بالضفة الغربية.
طرح نتنياهو هذه الخطة المقترحة في مناورة سياسية من اجل الحفاظ على استمرار و تماسك حكومته في الوقت الذي تزداد فيه الخلافات بينها وبين الإدارة الأمريكية على الصعيد التكتيكي سواء بالنسبة لإدارة الحرب على غزة، او مستقبل القطاع بعد انتهائها.
يعول نتنياهو في تحركاته الحالية سواء في إطار موقفه بالنسبة لشروط التوصل لوقف إطلاق نار في غزة او طرحه لخطته بالنسبة لمستقبل قطاع غزة على عدة عوامل يرى انها ستساعده في تحقيق كل أهدافه أو أهمها بالنسبة للتسوية النهائية للقضية الفلسطينية. ولعل العامل الأهم على هذا الصعيد هو قدراته على ابتزاز كل من إدارة بايدن والحزب الديمقراطي من ناحية، والحزب الجمهوري ناحية اخرى. وهو يدرك بحكم خبرته العميقة بالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والصراع العربي الاسرائيلي على حد السواء ان له اليد العليا في المقام الأخير على القرار الأمريكي بالنسبة للقضية الفلسطينية حاليا ومستقبلا؛ وخصوصا كيفية استغلال انشغال الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمعركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام الحالي من اجل الحصول على التأييد الأمريكي للخطط والسياسات الاسرائيلية بشأن مآلات النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
كما يعول كذلك على الانقسام الفلسطيني وعلى تلاشي الشرعية لحد كبير عن السلطة الوطنية الفلسطينيةً. فحتى الآن ورغم النتائج الكارثية والمأساوية للحرب على غزة وعلى الشعب الفلسطيني، فليس هناك ما يؤشر أو يبشر بقرب التوصل لاتفاق بين السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الاسلامي على رؤية مشتركة وقاطعة لا رجعة عنها لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني حسب الاتفاقيات العديدة التي وقعت عليها الأطراف المذكورة، او خطة مشتركة تحظى بمساندة عربية وأوروبية وأمريكية حول كيفية إدارة قطاع غزة بعد ان تسكت المدافع .
العامل الاخطر الذي يعتمد عليه نتنياهو هو عامل الوقت الذي استخدمه في الماضى ولا يزال يراهن عليه لوضع كل انواع العراقيل امام تنفيذ حل الدولتين على ارض الواقع. وهو الأمر الذي سيحتم على السلطة والفصائل الفلسطينية المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية أن توحد مواقفها وخططها لمواجهة مناورات نتنياهو الرامية نهاية المطاف الى سيطرة إسرائيلية على أراضي الضفة الغربية غرب نهر الأردن وضمها في مرحلة تاريخية مستقبلا، وإخضاع قطاع غزة بالكامل للسيطرة الأمنية والهيمنة العسكرية الإسرائيلية.
("الأهرام") المصرية