في 19 مارس عام 1989، وقف الرئيس الراحل مبارك وسط مدينة طابا لرفع العلم المصري إيذانا بعودتها للسيادة المصرية. وقبل أيام احتفلت مصر «الثلاثاء الماضي» بالذكرى 35 على استعادة هذه البقعة الغالية، والتي رفضت إسرائيل التخلي عنها وظلت تماطل عدة سنوات، بل وقامت ببناء فندق لفرض سياسة الأمر الواقع.. وقبل انسحابها الكامل في 25 ابريل عام 1982 زعمت أن طابا ليست مصرية، وأن بعض العلامات على الحدود، خاصة رقم 91 تابعة لها.
مع تولي الرئيس الراحل حسني مبارك المسؤولية كانت أمامه مهمة استرداد كامل الأراضي طبقا لاتفاقية السلام التي وقعها الرئيس السادات عام 1979 وحددت الانسحاب على 3 مراحل، ومع مماطلة إسرائيل وإحداث أزمة بعدم تسليم طابا لمصر، كان لا بد من اللجوء للتحكيم في ظل التشدد الإسرائيلي، وحسبما ذكر لي الرئيس مبارك، فإنه رفض كل المساومات والمفاوضات التي كانت ستؤدي إلى عدم استرداد كامل سيناء، ومنها طابا ذات المساحة المحدودة، وشكل الرئيس مبارك اللجنة القومية لاسترداد طابا من كبار القانونيين والعسكريين والدبلوماسيين والخبراء المصريين رفيعي المستوى، وكانت مهمتهم البحث وجمع الوثائق والخرائط من كل مكان، والتي تثبت أحقية مصر في طابا، عملت اللجنة القومية المصرية على التدقيق الكامل والبحث عن كل وثيقة حول العالم بما فيها الحصول على 10 وثائق من الأرشيف الإسرائيلي إلى جانب أصول الخرائط لحدود 1906 من الأرشيف التركي والبريطاني.
خاض المفاوض المصري ملحمة وطنية شاركت فيها كل مؤسسات الدولة مع المفاوضين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة، وظلوا ينتقلون بين عواصم العالم للحصول على كل ما يثبت حقوق مصر في طابا، وللتاريخ ـ وكما ذكر لي الدكتور مفيد شهاب، أحد الفرسان الذين شاركوا في هذه الملحمة الوطنية ـ كانت مصر لديها الثقة في موقفها وقوة الأدلة التي قدمتها لهيئة التحكيم حتى جاء يوم 29 سبتمبر عام 1988 في جنيف، وأيدت المحكمة موقف مصر بأغلبية 4 أصوات مقابل صوت واحد هو ممثل إسرائيل، وقالت المحكمة إن طابا أرض مصرية، وفي 19 مارس 1989 رفع الرئيس حسني مبارك علم مصر، وأصبح هذا اليوم تاريخا تحتفل فيه مصر بذكرى تحرير آخر كيلو متر من أرض سيناء العزيزة، وهو يوم من الأيام الخالدة في تاريخ هذا الوطن الذي يحافظ على كل حبة رمل مهما كلفنا ذلك من تضحيات، وكانت مسألة استرداد طابا واحدة من القصص البطولية والفخر لكل من شارك سواء فريق التفاوض أو مختلف مؤسسات الدولة، والتي كانت مهامها العمل لجمع كل الدلائل، والتي تثبت أن طابا مصرية، ونحن نحتفل بمرور 35 عاما على عودة طابا لأحضان الوطن رغم المماطلة الإسرائيلية ومحاولاتهم إفشال المعاهدة، وكانت أهداف إسرائيل عدم الانسحاب من طابا، وأن المفاوضات سوف تفشل، وهو ما سيدفعهم للعودة للاستيلاء على شرم الشيخ مرة أخرى، ونقل عن موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، قبل توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979، أنه قال لكارتر: «السلام مع مصر دون شرم الشيخ مرفوض»، هذه هي إسرئيل التي تعمل على احتلال الأراضي ولا تفي بوعودها وتتراجع عن التزاماتها إذا وجدت أنها في موقف أقوى، وما يحدث حاليا في غزة والموقف المصري من البداية بعدم السماح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، بل توجيه رسائل تحذيرية لإسرائيل وتذكيرهم بأن الأراضي المصرية خط أحمر، والقوات المسلحة مسؤولة عن حماية كل شبر من أرض مصر، والسلام الممتد على مدى 45 عاما يستلزم قوة تحميه.
وتزامنت احتفالات مصر باسترداد طابا وانتصار العاشر من رمضان، هذه الأيام الخالدة في تاريخنا، والتي سطر فيها الجيش العظيم ملحمة حققت مفاجأة للعدو بالتخطيط والخداع لتحقيق أهدافه بالحرب والمفاوضات والتحكيم، وعادت سيناء كاملة وكسر شوكة الغرور الإسرائيلي وغطرسته للأبد.
("الأهرام") المصرية