قضايا العرب

"شعب فيسبوك" العربي.. فقاعة افتراضية أم قوّة احتجاجية؟

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

تتعدّى أدوار مواقع التواصل الاجتماعي، وأبرزها "فيسبوك"، مجرّد التعارف والتسلية وتبادل الآراء والتجارب والمحادثات، إلى تنظيم وترتيب الاحتجاجات الاجتماعية، وقد يصل الأمر إلى تأجيج الثورات والانتفاضات كما وقع في أكثر من بلد عربي خلال ما سُمّي بـ"الربيع العربي".

وبعد أن كانت تلعب بعض الإذاعات العربية في زمن مضى، مثل إذاعة "صوت العرب" المصرية، دورًا جليًّا في إذكاء المشاعر الوطنية لحركات التحرّر خلال الستينيات من القرن الماضي، فإنّ "فيسبوك" و"تويتر" وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، باتت تقوم بهذه الأدوار مع اختلافات في السياقات الإيديولوجية والاجتماعية والحوامل التكنولوجية.

فقد كان جليًا أنّ مواقع التواصل من قبيل "فيسبوك" و"تويتر"، لعبت دورًا بارزًا في نسج خيوط عدد من الانتفاضات الشعبية في بلدان عربية، مثل مصر وتونس وغيرهما، وفي تنظيم احتجاجات اجتماعية مثلما حصل ولا زال يحصل في المغرب وبلدان عربية أخرى.

على سبيل المثال، شَكّل "فيسبوك" الشرارة الأولى والرئيسية في إشعال "الحراكات الشعبية" في عدد من الدول العربية إبّان أحداث 2011، والتي لا زالت تداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية قائمة إلى اليوم.

وتمكنت المواقع الرقمية نفسها من حشد الجماهير بشكل غير مسبوق لمواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية في بلدان عربية، بل كانت وسيلة للضغط على الحكومات والأنظمة السياسية لتحقيق مطالب تتلخّص في الغالب في الحرية والعدالة والكرامة ومحاربة الفساد والاستبداد.

ويرى مراقبون أنّ نقطة قوة "شعب الفيسبوك" كونه ساهم في نسج خيوط تلك الانتفاضات الشعبية دون خوف، علاوة على أنّه كان ناجحًا في نشر الأفكار والمواقف، وبالتالي تأجيج "السلوك الاحتجاجي" خاصّة وسط فئة الشباب.

كما أفلحت المواقع نفسها كثيرًا في توثيق ونشر أخبار المجتمعات العربية المنتفضة والمطالبة بالحريات، وأحوالها وأوضاعها، بالكلمة والصورة والفيديو، كما لاحقت مظاهر الفساد المستشري، لتلعب بذلك أدوارًا يعجز الإعلام الرسمي عن مواكبتها.

ولم ينجح "شعب المواقع الرقمية" في إذكاء روح الثورة والانتفاضة والاحتجاج داخل الدول العربية وحسب، بل حتى في دول توصف بكونها متقدمة وديمقراطية، من قبيل فرنسا كما عاينا مع احتجاجات "السترات الصفراء"، بحيث لعب الموقع الأزرق دورًا حاسمًا في اندلاع تلك الاحتجاجات العارمة وتنظيمها وتأجيجها.

سلبيات.. ومخاطر

وبالمقابل لا يَسْلم "شعب فيسبوك" من سلبيات وعيوب، توجزها الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير في تصريح لـ"عروبة 22"، بالإشارة إلى كونه "شعبًا افتراضيًا لا يمتلك قائدًا بمعنى الكلمة، وبالتالي فهي جماهير افتراضية لا تخضع لخيط ناظم، ولا لقيادة تقوم بالإرشاد والتدبير، وهو عنصر سلبي قد يؤدي إلى الفوضى أكثر من النظام".

ووِفق الباحثة ذاتها، فإنّ "الارتكان إلى الموقع الافتراضي لتنظيم احتجاج واقعي قد ينطوي على مخاطر عديدة، أبرزها أنّه أحيانًا، يجهل الجمهور الداعين من خلف شاشات حواسيبهم إلى القيام باحتجاج معيّن أو اندلاع انتفاضة ما، وهو ما يطرح تحديات وتساؤلات أمنية واجتماعية متشابكة، سيما في ظلّ الغموض الذي يلف أحيانًا هويات الداعين إلى الاحتجاج".

ومن المخاطر الأخرى، بحسب العوفير، أنّ "فيسبوك" مثلًا، قد يبدأ في الإعداد لاحتجاج ما "لكنه ليس قادرًا على تأطير ومتابعة والتحكم في سلوكات المحتجين على أرض الواقع، ولا هو قادر على قرار إنهاء التحرك الاجتجاحي، الشيء الذي يؤدي إلى أخطار اجتماعية".

صناعة الرأي العام

من جهته أفاد الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية الدكتور مولاي هشام معتضد، أنّ ما يُصطلح عليه اجتماعيًا "شعب الفيسبوك" أو "الشعب الافتراضي"، يشكّل ظاهرة "إيجابية وسلبية في الآن ذاته".

ظاهرة إيجابية، لأنّ الفضاء الافتراضي يمنح مساحةً للنقاش العمومي حول قضايا الرأي العام خاصة في ظل تراجع منصات نقاش الأحزاب والجمعيات المدنية، وسلبية أيضًا لأنه في بعض من الأحيان قد تفقد مقاربة النقاش على مستوى الفضاء الافتراضي أبجديات الحوار المدني والسياسي، وفي محطات أخرى يسهل اختراقه من طرف منتديات أجنبية للتأثير أو توجيه النقاش.

ويلفت معتضد، في حديث مع "عروبة 22"، إلى أنّ "نقاشات الفضاء الافتراضي تؤثر على الأحداث السياسية والمجتمعية في الدول العربية، وأحداث "الربيع العربي" وكل المحطات التي تلتها على المستوى الإقليمي كانت شاهدة على دور أدوات التواصل الاجتماعي في التأثير على مسار الأحداث وديناميكيتها ومدى قوة ضغطها على أصحاب القرار السياسي في المنطقة".

واستطرد معتضد بالقول: "هياكل الدولة والمؤسّسات السيادية والعمومية أدركت سريعًا وزن البُعد الافتراضي في خلق الأحداث وتأطيرها، بخاصة بعد تراجع دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني الواقعي في خلق وتنشيط منصات للتداول العمومي والسياسي قادر على جلب اهتمامات الشعب وخاصة فئة الشباب، ما أجبر الدولة على الانخراط في بلورة رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى الجديد القادر على صناعة الرأي العام".

ثورات قادمة "أكثر شراسة"

وإذ يشدد على أنّ "شعب فيسبوك"، أو ما يمكن تسميته "القوة الافتراضية"، يمتلك من الأدوات والأساليب القادرة على "زعزعة نظام أو المساس بأمنه القومي، حيت لاحظنا أنّ الدول التي استخفت بقدرات هذا الفضاء الافتراضي خلال ما اصطُلِح عليه "الربيع العربي" هي التي كانت سريعة السقوط وتعرّضت أنظمتها لتفكيك سلس وسريع"، لا يرى معتضد في الرأي العام الافتراضي "مجرّد فقاعات افتراضية، لكونه فضاءً للتعبير كامل الأركان، واحترامه سياسيًا واحتوائه إستراتيجيًا يُعدّ من المهام التي يجب على الدول القيام بها خاصة في ظل الاختراقات التي تتعرض لها منتديات الدردشة والتي من خلالها تحاول دول أجنبية أو ذات توجهات عدائية استغلالها من أجل زعزعة الاستقرار السياسي أو الأمن السيادي للدول".

وخلص معتضد إلى التشديد على أنّ "صعود تكنولوجيات الذكاء الصناعي سيكون له تأثير أكبر على هذه المنتديات الافتراضية، والدول ستكون مطالبة لمواجهة ثورة افتراضيه قادمة أكثر شراسة وقادرة على فتك هياكل الدول من خلال فضاءاتها الافتراضية إن كانت غير مؤهلة أو محصّنة ضد الذكاء الاصطناعي المستخدَم في فضاءاتها الافتراضية".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن