يقول الملك محمد السادس: "إذا كانت الواجهة المتوسطية تُعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإنّ الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو أفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي. من هنا يأتي حرصنا على تأهيل المجال السياسي وطنيًا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة هذا الفضاء الجيوسياسي على المستوى الأفريقي. غايتنا هي أن نحوّل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي".
الملك يضع هنا مسألة استرجاع الأقاليم الجنوبية للبلاد في صُلب عملية "تعزيز البُعد الأطلسي" للمغرب، من خلال مزاوجة متوازنة بين الرافد الأفريقي المتنوّع، بالرافد الأميركي الغني الذي يقابله بالجهة الأخرى من الأطلسي.
الحلول الأمنية والعسكرية لم تعد ناجعة إنّما مقاربة شمولية ترتكز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية
هو مشروعٌ اقتصاديٌ بامتياز، لأنّه سيمكّن دول الساحل الأفريقي، انطلاقًا من الصحراء المغربية، من الولوج إلى المحيط الأطلسي مباشرة، عبر بنيات تحتية أساسية، قوامها شبكات في النقل واللوجيستيك والسكك الحديدية والطرق والموانئ والمطارات، ناهيك عما سيحمله أنبوب الغاز المغرب ــ نيجيريا الجاري العمل به منذ مدة، من سُبل للاندماج الجهوي الواسع عموديًا مع أوروبا، ومن إمكانات الإقلاع الاقتصادي أفقيًا على طول الواجهة الأطلسية الممتدة والواعدة.
ثم هو مشروع مؤسساتي أيضًا، لأنه سيفسح في المجال واسعًا لتوطيد ركائز الأمن والاستقرار والنمو المستدام لهذا الفضاء الجيو-اقتصادي الجديد، على خلفية من حقيقة أنّ الحلول الأمنية والعسكرية لم تعد ناجعة لحل قضايا القارة، وأنّ الأنجع منها إنّما هو مقاربة شمولية ترتكز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتعاون المتبادل بين البلدان الأطراف في المبادرة.
لكنه، فوق كل هذا وذاك، مشروع جيو-استراتيجي واضح المعالم. ولعلّ كلام الملك بهذا الخصوص لا يقبل كثير تأويل. إنّه يريد "الانتقال بواقع الصحراء المغربية من البُعد الاقتصادي المحلي القائم على الترابط بين الأقاليم، إلى وضع جديد تكون فيه الصحراء المغربية قاطرة تقود اقتصادات دول الساحل والصحراء، للانفتاح على الأطلسي". ويتابع ليدقق الطرح أكثر: "استرجاع الأقاليم الجنوبية مَكّنَ من تعزيز البُعد الأطلسي للمملكة... (ومَكّنَ) من التصدي لمناورات الخصوم، المكشوفين والخفيين" على حد سواء.
جعل الصحراء قطب تنمية عوض أن تبقى مكمن تنافر وتوتر واحتراب
من جهة أخرى، ولما كانت المبادرة ترمي إلى تحويل الصحراء المغربية إلى منصة أفريقية للإفادة من الفضاء الأميركي بالجهة المقابلة من المحيط، فإنّها تركب ناصية مقاربة تشاركية قوامها الأساس منطق "رابح ــ رابح": فك الطوق عن مجموعة من الدول الأفريقية وإدماجها في حركية جديدة تكون الصحراء المغربية هي منطلقها ورافدها ومنصتها، ثم جعل الصحراء قطب تنمية عوض أن تبقى مكمن تنافر وتوتر واحتراب. سيتحوّل النزاع هنا إلى ما يشبه النافلة التي لا يعتد بأجرها إن تَمّ الاستغناء عن الفرض.
بالحالات مجتمعة، وأيًّا تكن الرهانات والحسابات، فالمبادرة تبدو ولكأنها تعبير حقيقي عن تبرم ما من واقع وحدة مغاربية متعثرة، باتت مصدر خيبة مستدامة، قد تذهب بجريرتها الوحدات المكوّنة للاتحاد قبل وحدته هو ذاته، وإلّا فكيف نفسّر دعم المغرب لحركة القبائل الانفصالية بالجزائر، ثم فتح الجزائر بالمقابل لتنسيقية حزب من شمال المغرب يطالب بالانفصال هو الآخر؟.
(خاص "عروبة 22")