هل هناك آلية عربية حقيقية يمكنها أن تواجه طوفان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهل لدينا رغبة أو إرادة عربية لمنع تداعيات هذا العدوان، وهل لدينا القوة التي تجعلنا نواجه هذا العدوان المدعوم أمريكيا، وربما يكون السؤال الأساسي: هل ما يزال هناك مصطلح صحيح يسمى العمل العربي المشترك؟!
ربما يكون السؤال الأخير هو المفتاح الأول للانطلاق إلى بقية الأسئلة. لدينا الجامعة العربية، وهي رغم كل الأزمات والمشكلات التي تواجهها فما تزال مهمة حتى لو كانت غير فاعلة أو معطلة، بفعل غياب التوافق العربي، ورغم ذلك ينبغي ألا نفرط في الجامعة العربية ونسعى بكل السبل لتفعيلها.
وإلى أن يحدث ذلك علينا دائما الاجتهاد والبحث عن آليات ووسائل وسبل لمواجهة البلطجة الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد فإن مواجهة الواقع ومعالجته أفضل كثيرا من الغرق في أوهام الشعارات فقط حتى لو كانت جميلة. هنا علينا الإقرار بأن القوى العربية الأساسية صارت منقسمة بشأن القضية الفلسطينية. وإسرائيل تمكنت في السنوات الأخيرة بدعم أمريكي ساحق من اختراق الصف العربي وإقامة علاقات مع دول عربية عديدة، دون أن يقود ذلك إلى أي حل للقضية الفلسطينية أو حتى تحسين حياة الفلسطينيين اليومية.
لكن هل نكتفي بذلك ونبكي على الأطلال أم نسعى لمحاولة بناء موقف عربي موحد قدر الإمكان، حتى لو كان بين عدد محدود من الدول المؤثرة؟!
المؤكد أن كل الشعوب العربية تساند القضية الفلسطينية، وكل الحكومات والأنظمة العربية تعلن ذلك ليل نهار، لكن على أرض الواقع فهناك فارق كبير بين المواقف الإعلامية وبين تحويل ذلك إلى أفعال على الأرض. وبالتالي فإن أكثر دولتين عربيتين مشغولتين فعلا بالقضية الفلسطينية هما مصر والأردن بحكم الجوار الجغرافي المباشر مع فلسطين، ومعهما ثلاث دول عربية مؤثرة فى المشهد السياسى الراهن وهم السعودية والإمارات وقطر. هذه البلدان الخمسة ومعها السلطة الفلسطينية صار يجمعهم الآلية السداسية، التي اجتمعت في القاهرة أخيرا والتقت مع وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن لبحث كيفية وقف العدوان الإسرائيلي، والبحث في سيناريوهات اليوم التالي في فلسطين المحتلة.
نحلم ونأمل أن تتمكن هذه «السداسية» من بلورة موقف عربي موحد إلى حد ما حتى لا نترك الساحة خالية لإسرائيل.
حينما اجتمعت السداسية في القاهرة يوم ٢١ مارس الحالي فإنها أعلنت في بيان مهم عن أولوية تحقيق وقف شامل وفوري لإطلاق النار وزيادة نفاذ المساعدات الإنسانية وفتح جميع المعابر بين إسرائيل والقطاع والتغلب على العراقيل وتوفير الدعم الكامل لوكالة الأونروا ورفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية وحتمية إقامة الدولة الفلسطينية وفقا للمرجعيات الدولية.
ما سبق هو الموقف العربي المعلن دائما، وهو أمر مهم لكن من المهم أيضا وجود تصور عربي لكيفية الوصول إلى ذلك.
وقف إطلاق النار مهم جدا، لكن نحن نتحدث عن اليوم التالي أي ما بعد توقف العدوان. هناك تقارير تتحدث عن وجود تصور لدى اللجة السداسية العربية لخطة سلام إقليمي شامل تبدأ بإنهاء الحرب ثم إطلاق مسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع عربي واسع مع إسرائيل، استنادا إلى مبادرة السلام العربية.
التقارير تتحدث عن نقاشات عربية وفلسطينية تمت فى الأيام الماضية لمناقشة هذا التصور، وبالطبع فإن ذلك يحتاج أولا لتوافق عربي حقيقي وليس إعلامىًا بين الدول الست أولا، وقبل كل ذلك إلى ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام المستمر منذ عام ٢٠٠٧، والمعتقد أن تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد مصطفى هو جزء من هذا التصور.
الخطة العربية ما تزال في طور النضوج وتم بحثها مع الأمريكيين، وكان لافتا للنظر قول المتحدث باسم الخارجية الأمريكي ماثيو ميلر أن زيارة بلينكن الأخيرة لجدة والقاهرة بحثت مرحلة ما بعد النزاع في غزة والمسار السياسي للشعب الفلسطيني مع ضمانات أمنية لإسرائيل وهيكل لسلام وأمن دائمين فى المنطقة،.
ونعلم بالطبع أن إسرائيل ترفض نهائيا فكرة الدولة الفلسطينية.
المهم بالنسبة لنا أن تستمر «السداسية» في التنسيق خصوصا أن هذا هو اجتماعها الثاني بعد اجتماع جدة قبل شهر ونصف الشهر.
من المهم أن يكون لدينا أفكار ومبادرات مستمرة، ومن المهم أن تنشغل كل مراكز البحث والفكر والدراسات العربية بهذا الأمر ليس فقط في القضية الفلسطينية بل في كل القضايا حتى لا نتحول إلى رد فعل للآخرين.
("الشروق") المصرية