يشير النظام العالمي للإعلام والإنذار المبكر عن الأغذية والزراعة إلى الدول التي تواجه أزمات متعلقة بالافتقار إلى الغذاء وانعدام إمكانية الوصول إلى الغذاء على نطاق واسع أو المشكلات الشائكة محليًا.
وتعاني كل من جمهورية أفريقيا الوسطى وكينيا والصومال والسودان، من عجز استثنائي في الإنتاج/الإمدادات الكلية للغذاء. أمّا الدول التي تواجه صعوبة في الوصول واسعة النطاق في أفريقيا، فهي بوروندي والتشاد وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجيبوتي واريتريا وملاوي وزمبابوي.
وبخصوص الدول التي تعاني من انعدام أمن غذائي شديد ومتمركز، فنجد على الخصوص بوركينافاسو والكاميرون والكونغو وغينيا وليبريا وليبيا ومدغشقر ومالي وموزنبيق وناميبيا والسنغال وسيراليون وأوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة وزامبيا.
العالم العربي معنيٌ بتعزيز التعاون بين دول الجنوب لمواجهة مصادر تهديد السيادة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي
أمّا الدول التي تواجه صعوبة في الوصول واسعة النطاق في آسيا، فهي جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية ولبنان وفلسطين والجمهورية العربية السورية واليمن، مقابل دول أسيوية تعاني من انعدام أمن غذائي شديد ومتمركز فهي أفغانستان وبنغلاديش وميانمار وباكستان.
في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي، تواجه كل من هايتي وفنزويلا، صعوبة في الوصول واسعة النطاق. وتعتبر أوكرانيا حسب التقرير، البلد الأوروبي الوحيد الذي يعاني من صعوبة في الوصول واسعة النطاق.
وفي دراسة استشرافية للأغذية لسنة 2023، صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، نقرأ أنّه "من المتوقع أن تحافظ التجارة العالمية بالحبوب على مستوياتها القريبة من نظيرتها المسجلة خلال 23/2021. فالتراجع المتوقع في التجارة العالمية بالحبوب قد يعاوض الزيادات التي تستهدفها التجارة العالمية بالحبوب الخشنة والأرز". وبالرغم من إيجابية بعض التوقعات، فإن أنظمة الإنتاج الزراعي والغذائي، لا زالت معرضة للتحولات المناخية وتفاقم الوضع الجيوسياسي وتقلبات أسواق السلع الأخرى واختلال التوازن بين العرض والطلب ومدى تأثير ذلك على أسعار الموارد الغذائية وبالتالي تهديد الأمن الغذائي.
وتعتبر الصين من أكبر منتجي القمح في العالم، لسنة 2022 - 2023، ثم الاتحاد الأوروبي ثم الهند ثم روسيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ثم أستراليا ثم كندا ثم باكستان ثم أوكرانيا ثم تركيا في المرتبة العاشرة. كما تُعدّ الصين أكبر منتج زراعي في العالم، حيث تمثّل 20 في المائة من الإنتاج الزراعي العالمي، وبعدها الولايات المتحدة الامريكية بحوالى 12%، ثم البرازيل بحوالى 8% ثم روسيا بحوالى 5% ثم هناك دول أخرى مثل كندا والأرجنتين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمكسيك وتركيا.
تعاني جل دول العالم من تحقيق ضمان أمنها الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وذلك لطبيعة النظام العالمي وعدم المساواة في التجارة الدولية والتخبط في المديونية. وإذا كانت السيادة الغذائية، تعني حق الشعوب في امتلاك قرارها في تبني السياسات الغذائية التي تتلاءم مع توجهاتها الاقتصادية والثقافية، فإنّ هذا القرار لا تملكه الدول الهشة والتي في طريق النمو. كما أنّ الدول، لا زالت تناضل من أجل الوصول إلى حقها في التنمية، الذي تتم إعاقته من طرف بعض القوى الكبرى والشركات العالمية المتحكمة في السوق العالمية للأغذية.
وتعتبر الأمم المتحدة السيادة الغذائية هو "حق الشعب في كل بلد في تقرير سياستها الغذائية، وحقه في تحديد سياساتها واستراتيجيتها في إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه المستدام، مع احترام ثقافته ونظمه الخاصة في إدارة موارده الطبيعية ومناطقه الريفية، وهو حقٌ يُعتبر شرطًا مسبقًا لتحقيق الأمن الغذائي". (حسب منظمة "الأسكوا"). ويبدو أنّ الأمن الغذائي يختزل في توفير الغذاء كما عرفته منظمة الأغذية والزراعة الدولية، فهو "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين، بما يلبي احتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة"، وهناك نقد لعدة خبراء وباحثين لهذا المفهوم الضيق الذي يتضمن تحيّزًا لمصالح الفاعلين المتحكمين في النظام الاقتصادي العالمي ولذلك تمت صياغة مفهوم السادة الغذائية سنة 1996 من طرف حركة "نهج المزارعين" أثناء القمة التي نظمتها منظمة الأغذية والزراعة، فعرفت السيادة الغذائية بأنها "حق الشعوب في اتباع نظام غذائي صحي وثقافي وملائم ينتج بطريق مستدامة".
يمكن أن يُشكّل تهديد السيادة الغذائية لشعوب العالم مصدرًا حقيقيًا لثورة جياع والولوج إلى عصر من الفوضى العالمية
وبالرغم من تراكم بيانات ودراسات علمية مطالبة بتطبيق مبادئ السيادة الغذائية وتحرير الزراعة من الربحية السافرة ومنطق الليبرالية المتوحشة فما زال الطريق شاقًا وطويلًا لترسيخ حق كافة الشعوب في سيادتها الغذائية وحقوق الأجيال القادمة في ميراث أرض صالحة لضمان مستقبل الغذاء العالمي.
العالم العربي معنيٌ بتعزيز ثقافة التعاون بين دول الجنوب، لمواجهة مصادر تهديد السيادة الغذائية، كما هو مطالب بتكثيف التعاون لبناء خطط راهنة ومستقبلية، لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستثمار الزراعي الناجع والمتحرر من التبعية للسوق الرأسمالية المتوحشة. ويمكن أن يُشكّل تهديد السيادة الغذائية لشعوب العالم مصدرًا حقيقيًا لثورة جياع العالم وتفاقم الوضع العالمي والولوج إلى عصر من الفوضى العالمية وانتشار العنف العالمي وتنامي الحركات المناهضة للعولمة والنظام الاقتصادي الراهن.
ويتعيّن حتمًا إعادة النظر في السياسات العالمية التي توظف الجوع كأداة لجيوسياسة إذلال الشعوب، وبالتالي هناك حاجة إلى تفعيل حقيقي لميثاق أخلاقي عالمي يصون كرامة جميع الناس وحقهم في العيش الكريم.
(خاص "عروبة 22")