احتوت سطور المقال بعض أهم دلالات وحقائق هذه الحالة التي تشي بيقين لا يدانيه شك، أنّ الطريق الطويل لنهاية المشروع الصهيوني الإجرامي بدأت بالفعل. غير أنّ سطور المقال المذكور لم تنتهِ قبل الإقرار صراحة بأنّ هذه الحقائق والدلالات كلها، لا تستطيع بذاتها أن تفعل فعلها وتفضي إلى نتيجتها المرجوة من دون "كفاح ونضال سياسي طويل النفس يستند إلى وعي لامع وعميق يدرك طبيعة المأزق الوجودي الذي يتردى فيه كيان العدو الآن".. وكيف يمكن استثماره لبلوغ النصر في نهاية المطاف.
مقال اليوم يطرح أيضًا سؤال عن "الكيفية" التي تمكننا من تفعيل الحقائق التي ذكرناها بحيث يتعمّق المأزق الوجودي لكيان العدو، ويصير انتهاء وجوده وتفكيك أساسه العنصري قدرًا لا فكاك منه.
القيادة الصهيونية تعتبر "الخطر الديموغرافي" خطرًا وجوديًا من شأنه تبديد الطابع اليهودي لدولتهم
للإجابة على سؤال هذا المقال لا بد أولًا من ذكر حقيقة أساسية هي نفسها تجاوب على سؤال آخر هو: "لماذا يسعى العدو بكل الوسائل الإجرامية للخلاص ممن تبقى من شعب مزروع في وطنه سواء بالإبادة أو التهجير القسري؟".
أما الحقيقة، فهي ما تسميه نخبة القيادة الصهيونية في كيان العدو "الخطر الديموغرافي" الذي يعتبرونه خطرًا وجوديًا من شأنه تبديد الطابع اليهودي لدولتهم، والمقصود هنا هو تزايد أعداد السكان العرب الفلسطينيين في وطنهم بحيث يصبح هؤلاء أغلبية مقارنة بسكان فلسطين من اليهود، سواء هؤلاء المولدون فيها (أقلية) أو المستجلبون إليها من شتى بقاع الأرض (الأغلبية).
على أية حال؛ لقد تحقق فعلًا هذا الخطر الآن، فطبقًا لأحدث تقرير صدر عن دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي - أُعلن قبل يومين فقط من بدء معركة طوفان الأقصى -، فإنّ عدد سكان الكيان الصهيوني في مناطق فلسطين المحتلة قبل العام 1967، بلغ 9 مليون و700 ألف نسمة منهم 7 ملايين و100 ألف يهودي، وأكثر من 2 مليون عربي "نحو 21 في المائة من إجمالي عدد سكان الكيان".
أما باقي أرض فلسطين في الضفة الغربية وغزّة فيبلغ عدد السكان العرب فيهما معًا نحو 6 ملايين "3 مليون ونصف المليون في الضفة، و 2 مليون ونصف المليون في غزّة".
إذن عدد العرب في أرض فلسطين التاريخية يزيد حاليًا فعلًا بنحو مليون نسمة عن عدد اليهود "8 ملايين تقريبًا مقابل 7 ملايين" أي أنّ ما يسميه الصهاينة العنصريون خطرًا ديموغرافيًا وجوديًا -كما ترى- حلّ وتحقق فعلًا!.
وبعد.. نعود إلى ما يتوجب علينا فعله والكفاح من أجله لكي يمكن تفعيل كل العوامل والمعطيات التي تؤكد حقيقة أنّ الكيان الصهيوني بهجميته ووحشيته المنفلتة من كل قيد أخلاقي أو قانوني، أصبح وجوده مجرد جملة عابرة في تاريخ الإنسانية ونغمة نشاذ في سمفونية البشر المتحضرين، ولعل أول الواجبات هي ضرورة تغيير "الشعار" الذي يعنون كفاحنا من أجل إحقاق الحق واستعادة فلسطين المسروقة من بين أنياب كيان عنصري عدواني لقيط لم يعد على ظهر الكوكب شبيه أو مثيل له.
العدو جعل "حلّ الدولتين" مستحيلًا والشعار الوحيد الذي يتمتع بالمعقولية هو "حلّ الدولة الواحدة"
إنّ شعارًا من نوع "حلّ الدولتين" الذي ما زال الكثيرون يرددونه منذ ما يقارب الأربعين عامًا، رغم عدم عدالته أصلًا لأنه يعطي أصحاب الوطن ما لا يزيد عن 19 في المائة من فلسطين، وهذا لو تيسّر له أصلًا السبيل للتنفيذ، أصبح هذا الشعار الآن مجرد أهزوجة سخيفة وصار بلا معنى ومنبت الصلة تمامًا بالواقع على الأرض، فالعدو لم يكتفِ برفضه صراحةً وعلنًا، ولكن أيضًا جعله بالممارسة الفعلية مستحيلًا تمامًا، إذ رفع وتيرة الاستيطان والسرقة اليومية للمزيد من الأراضي، خصوصًا في الضفة الغربية - ابتلع المستوطنون الصهاينة منذ اتفاقيات أوسلو أكثر من 45 في المائة من مساحتها -.
الشعار الوحيد الذي يتمتع بالمعقولية والقدرة على النفاذ في ظل كل هذه المعطيات والحقائق التي ذكرنا عيّنة منها في سطور المقالين السابق والحالي، هو شعار "حلّ الدولة الواحدة" الديمقراطية لكل سكانها عربًا ويهودًا، وإقناع المجتمع الإنساني عبر كل أشكال الكفاح والدعاية السياسية من فوق كل المنابر الدولية المتاحة.
ما هو قائم الآن على أرض فلسطين هو كيان فصل عنصري يقوم على نظام "ابرتاهيد" متوحش لا يمكن أن يستمر لأنه ببساطة يجافي مبادئ العدالة ويعادي كافة مبادئ وقيم مسيرة التحضر والرقي الإنساني.. هذا بالضبط ما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهذا ما هو قابل للتحقق في فلسطين، أن لم يكن اليوم فغدًا.
باختصار، أرحام أمهاتنا في فلسطين هي الحل.
(خاص "عروبة 22")