صحافة

ما بعد الهجمات الإيرانية على إسرائيل!

أحمد سيد أحمد

المشاركة
ما بعد الهجمات الإيرانية على إسرائيل!

هناك حدود للتصعيد بين إيران وإسرائيل لا يمكن تجاوزها أو أن يصل الصراع بينهما إلى حد المواجهة العسكرية الشاملة لاعتبارات براجماتية تخص الطرفين في إطار قواعد الاشتباك المعروفة بينهما، والتي ترتكز على الاعتماد على حروب الظل أو الحروب بالوكالة. هذا الإطار هو ما حكم إدارة العلاقات الإسرائيلية الإيرانية خلال السنوات الماضية. وفي هذا السياق يمكن فهم طبيعة وأهداف الرد الإيراني الأخير على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق وقتل عدد من القادة العسكريين الإيرانيين من الحرس الثورى، على رأسهم القائد فى فيلق القدس محمد رضا زاهدي.

فلا شك أن ما قامت به إسرائيل يعد تجاوزا لقواعد الاشتباك التقليدية حيث لأول مرة يتم استهداف منشأة إيرانية رسمية هي قنصليتها في دمشق والتي تعد جزءا من الأراضي الإيرانية، وبالتالي الهجوم يعد من وجهة نظر طهران عدوانا على سيادتها، وهو ما يستوجب حتمية الرد. ولذلك جاء الرد الإيراني هذه المرة بشكل مباشر وليس اعتمادا على أذرعها في العراق وسوريا ولبنان، كما جرى في حالات سابقة، حيث أطلقت إيران أكثر من 200 صاروخ كروز وطائرات مسيرة باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية شملت قاعدة عسكرية جوية في النقب في جنوب إسرائيل، ولم تتسبب الهجمات الإيرانية المباشرة في أضرار مادية كبيرة أو خسائر بشرية، وشكل هذا الرد تغييرا محدودا لقواعد الاشتباك بين الجانبين والانتقال من حروب الظل إلى الضربات المباشرة.

الهجمات الإيرانية على إسرائيل كانت محسوبة بشكل دقيق لتحقيق عدد من الأهداف والرسائل, أولا: الحفاظ على هيبة إيران خاصة أمام حلفائها وأذرعها في المنطقة، والحفاظ على قواعد الردع مع إسرائيل, وتأكيد أنها قادرة على الوصول بشكل مباشر إلى العمق الإسرائيلي رغم المسافات الكبيرة بينهما.

ثانيا: حرصت إيران على أن يكون ردها محدودا ولا يتسبب في خسائر جسيمة تدفع إسرائيل إلى الرد مرة أخرى، وبالتالي سعت لتجنب تحول الصراع مع إسرائيل إلى المواجهة الشاملة، حيث إن اندلاع حرب بين الجانبين لن يكون في مصلحة إيران في ظل الأوضاع الداخلية المضطربة وخشية النظام من اندلاع مظاهرات واحتجاجات ضخمة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى قضايا الحريات، خاصة المتعلقة بالمرأة الإيرانية مما يهدد استمرار النظام ذاته، إضافة إلى أن موازين القوى العسكرية الشاملة بينها وبين إسرائيل ليست في مصلحتها، كما تدرك إيران أن أي مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل ستكون مواجهة مع أمريكا، التي أكدت دعمها الكامل لإسرائيل في مواجهة إيران.

وبالتالي جاءت الضربات الصاروخية الإيرانية لتحقيق التوازن بين حفظ ماء الوجه وبين عدم توسيع الصراع، فقد غاب عنصر المفاجأة في الهجمات في ظل توقع بل واستعداد إسرائيل لمواجهة تلك الصواريخ والمسيرات وأسقطت العديد منها في الأجواء السورية واللبنانية خاصة أن الاستخبارات الأمريكية أعلنت قبلها بساعات شكل الهجوم عبر الصواريخ والمسيرات، وهو ما مكن إسرائيل من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك الهجمات. كما أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية لم تتجه صوب المدن الإسرائيلية وإنما اتجهت لأهداف عسكرية، بما يعني حرص إيران على عدم استفزاز إسرائيل للقيام برد فعل قوي، وهذا السيناريو تكرر في السابق في عام 2020 بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق بعد استهدافه من قبل مسيرة أمريكية، حيث قامت طهران وقتها بإطلاق عدد من الصواريخ المباشرة تجاه القواعد العسكرية الأمريكية في العراق ولم تسبب أي خسائر حيث علمت واشنطن بميعاد الهجوم مسبقا وأخلت تلك القواعد.

استهدفت حكومة نتنياهو من وراء الهجوم المباشر على القنصلية الإيرانية إشعال جبهة جديدة لتخفيف الضغوط عليها في غزة مع تزايد الانتقادات العالمية لها بسبب الأوضاع الإنسانية الكارثية، كذلك تزايد الخلاف التكتيكي مع إدارة بايدن والضغوط الأمريكية على نتنياهو لمنع اجتياج رفح، إضافة إلى أن مصلحة نتنياهو وحكومته استمرار الحرب في غزة وتوسيع الصراع إقليميا لضمان استمرارها في الحكم, وسعت إلى استفزاز إيران عبر توجيه ضربة موجعة لها، ومحاولة جر أمريكا لصراع شامل مع إيران. في المقابل استفادت حكومة نتنياهو من الهجمات الإيرانية الرمزية وعملت على توظيفها لإعادة حشد الدعم والاصطفاف الأمريكي والغربي معها ضد إيران وهو ما أكد عليه كل المسؤولين الغربيين، وبالتالي تحولت المواقف الغربية من الامتعاض من حكومة نتنياهو بسبب عدوانها على غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية، إلى تأكيد أمن إسرائيل في مواجهة إيران.

ولا شك في أن احتمالات توسيع الصراع بين إسرائيل وإيران تبدو محدودة، خاصة أن أمريكا تلعب دورا مهما في ضبط مسار هذا الصراع، ووضع حدود للتصعيد بين الجانبين، ولذلك بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية طالبت أمريكا وسطاء مثل الصين, بإقناع إيران بعدم توسيع الصراع أو الانتقام من إسرائيل بطريقة تحرج أمريكا وتدفعها إلى الوقوف العسكري مع إسرائيل وبالتالي اندلاع حرب إقليمية لن تريدها إدارة بايدن في هذا التوقيت مع انطلاق الانتخابات الأمريكية. إضافة لمساعيها لكبح إسرائيل بعد الرد مرة أخرى ضد إيران.

وبالتالي رغم الهجمات الأخيرة المتبادلة بين إسرائيل وإيران, إلا أن هناك مصالح إستراتيجية لكل منهما تدفعهما لوضع حدود لهذا التصعيد، ومن هنا جاء الرد الإيراني، رمزيًا للحفاظ على قواعد الاشتباك التقليدية بينهما.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن