صحافة

"المشهد اليوم"…"حزب الله" يرفض تسليم سلاحه ولبنان يفوّض الجيشسيناريو احتلال قطاع غزّة "يتقدم" بموافقة أميركية وتصعيد اسرائيلي مستمر في الضفة الغربية

الرئيس اللبناني جوزاف عون وأعضاء الحكومة قبيل بدء الجلسة الوازرية لمناقشة حصرية السلاح (إ.ب.أ)

يبدو المشهد في لبنان شديد التعقيد لاسيما أن الضغوط الدولية والعربية تزداد وطأتها وحدّتها بهدف حصر السلاح بيد الدولة ونزعه من جميع الجماعات المسلّحة، وفي مُقدمها "حزب الله" الذي يرفض من جهة المهادنة والتسليم ومن جهة اخرى يدرك ان قطار "التغيير" الذي انطلق بعد احداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لا يمكن ايقافه أو تخطيه بظل ايضًا ما يجري في دول المنطقة من تبدلات كبيرة وتطورات ترسم معالم مختلفة للمستقبل. وهذا "التخبط"، ان صح التعبير، ينعكس على الوضع الداخلي في البلاد التي لم تخرج بعد من تداعيات الحرب الاسرائيلية الاخيرة وما خلفته من دمار واسع وتداعيات اقتصادية واجتماعية يحاول لبنان الرسمي ايجاد حلول لها بينما يدرك ان الشروط واضحة بأن لا حديث عن اعادة الاعمار قبل بت مسألة السلاح ووضع جدول زمني محدد لذلك ضمن مهلة تمتد حتى نهاية العام الجاري.

فبعد خمس ساعاتٍ ونصف الساعة من النقاشات في مجلس الوزراء الذي عُقد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خرج المجتمعون بقرار واحد وذو دلالة، ألا وهو تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذيّة لحصر السلاح، على أن تُعرض على الحكومة قبل 31 آب/ اغسطس الحالي، تمهيدًا لاقرارها وانجازها قبل نهاية عام 2025. كما قرر المجتمعون استكمال البحث في بند السلاح يوم الخميس المقبل وسط اجواء من النقاشات الحادة التي تبرز حجم الاختلاف بين القوى السياسية اللبنانية. وبينما كان مجلس الوزراء ملتئمًا، خرج امين عام "حزب الله" نعيم قاسم في خطاب حاول من خلاله وضع النقاط على الحروف لجهة مطالبته بأن يكون النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية والموقف من اسرائيل التي لم تلتزم باتفاق وقف النار وذلك قبل الحديث عن اي اتفاقيات جديدة وقبل البحث بموضوع السلاح. وقال "من غير الممكن القبول بتخلّي لبنان تدريجيًا عن قوّته، وأن تبقى أوراق القوة كاملة بيد العدو الإسرائيلي".

قاسم ايضًا رأى أن المقاومة "أمر دستوري ولا يُمكن أن يُناقش بالتصويت" بل يحتاج الى توافق، في معادلة جديدة تشبه الى حد بعيد المعادلة التي طالما تمسك بها وهي ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". وهذا الهروب الى الامام ليس سوى محاولة لامتصاص غضب القاعدة الشعبية خاصة ان عدم امتثال "حزب الله" يضع لبنان امام مخاطر جسيمة وابرزها عودة الحرب وهو أمرٌ غير مستبعد، بحسب العديد من المحللين، الذين يرون ان اسرائيل اليوم تبدو عازمة اكثر من اي وقت مضى على الذهاب الى اقصى الحدود بهدف توفير الحماية لمستوطناتها وابعاد المخاطر عن حدودها. دون ان نغفل الدعم الاميركي الواضح لتل أبيب وهو الذي، بحسب الورقة التي قدمها المبعوث الاميركي توم برّاك الى الجانب اللبناني، تتضمن اربعة مراحل رئيسية موزعة على 120 يومًا، تبدأ شهر ايلول/ سبتمبر المقبل بسحب السلاح شمال الليطاني والسلاح الثقيل أي الصواريخ بالإضافة إلى المُسيرات، ثم تُستكمل عمليات سحب السلاح وانتشار الجيش شمال نهر الليطاني في المرحلة الثانية.

أما المرحلة الثالثة فهي التي تمهد لبدء اجبار اسرائيل على الانسحاب من التلال الخمس التي لا تزال تحتلها في لبنان مع سحب السلاح من البقاع وبيروت وضواحيها تمهيدًا للمرحلة الاخيرة وهي التي تشمل ملف اطلاق سراح الاسرى وعقد مؤتمر دولي لاعادة الاعمار وتوفير الاموال اللازمة لذلك. وأمام هذه المرحلة الرابعة تبرز معضلة التنفيذ بظل اصرار الحزب على ربط اي حديث بالسلاح بالحصول على ضمانات، وهو ما رفض ان يقدمه المبعوث الاميركي في زيارته الاخيرة. وعليه يمكن القول ان لبنان دخل في مرحلة جديدة بعيدة عن المماطلة والتسويف و"ابتداع" المخرجات بل يبدو مجبرًا على وضع الامور في مسارها التزامًا بالبيان الوزاري للحكومة وما ورد في خطاب قسم رئيس الجمهورية لجهة التأكيد على دور الدولة وصلاحياتها في احتكار حمل السلاح والتفرد بقرار الحرب والسلم. ومن هنا تتجه الانظار مجددًا الى جلسة الحكومة المنوي انعقادها يوم الخميس، وهي التي ستقرر المسار المتخذ فإما اتخاذ القرار الحاسم بموافقة جميع القوى والاطراف واما تأجيله مجددًا وما سيترتب على ذلك من تداعيات خاصة أن الحزب استبق وواكب كل ما يجري في جلسة مجلس الوزراء بتحركات في الشارع والتهديد بالتصعيد بهدف "حماية السلاح من المؤامرة التي يتعرض لها"، بحسب تعبيره.

الوضع اللبناني على أهميته وخطورته يتزامن مع استمرار التصعيد الاسرائيلي في قطاع غزة وسقوط المزيد من الشهداء، اما بسبب التجويع المتعمد وسوء التغذية او عند نقاط توزيع المساعدات الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية". وبينما يتجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى احتلال القطاع برمته بحجة "تحقيق نصر عسكري حاسم ضد حركة "حماس"، تتعاظم الانتقادات الموجهة اليه من الداخل الاسرائيلي كما من معظم دول العالم التي تندّد بالسياسات المتبعة وخطورتها، حتى أن المستوى العسكري في البلاد يبدو بعيدًا عن تلك المخططات التي تهدد حياة الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس" وتزيد انهاك الجيش الاسرائيلي وهو ما فجر خلافًا بينه وبين رئيس أركان الجيش إيال زامير خلال المشاورات الأمنية التي عُقدت، أمس الثلاثاء، حيث يعتبر الاخير أن "احتلال غزة سيكون مصيدة إستراتيجية وخطرًا على الرهائن"، بحسب ما نقلت القناة الـ13 الإسرائيلية.

في غضون ذلك، سيحسم مجلس الوزراء المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" الأمر، يوم الخميس المقبل بظل معطيات تؤكد ان "القرار اتخذ" وان الجيش سيعمد الى القتال في المناطق التي امتنعت إسرائيل عن العمل فيها خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المخيمات المركزية، خوفًا من إيذاء الرهائن. ويبدو ان نتنياهو قد اخذ موافقة اميركية على الخطة حيث لم يعارضها الرئيس دونالد ترامب بل اعتبر ان ذلك "الأمر يعود الى اسرائيل"، مدعيًا أن اولويته الآن توفير الغذاء لسكان القطاع فـ"إسرائيل ستساعد بتوزيع المساعدات ودول عربية ستساعد بالمال"، دون الافصاح عن الخطة الجديدة المنوي العمل بها بعد الانتقادات اللاذعة التي توجه لـ"مؤسسة غزة الانسانية". هذا وكان موقع "أكسيوس" نقل عن اثنين من المسؤولين الأميركيين ومسؤول إسرائيلي أن المبعوث الأميركي الخاص الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف والرئيس ترامب ناقشا خططًا لزيادة دور واشنطن بشكل كبير في تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ووفقًا للموقع عينه، تأتي أهمية الأمر بعدما وصلت مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحركة "حماس" إلى طريق مسدود ما يعني ان الامور تتجه نحو المزيد من القتل والقصف وهو ما يشبهه الغزاويون بانتظار "حكم الاعدام".

وفي تصعيد إسرائيلي واسع بالضفة الغربية، التي تعتبر شاهدًا اضافيًا على خطة تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من ارضهم، اقتحمت قوات الاحتلال بلدات جنوبي نابلس وشنّت حملات اعتقالات كبيرة في منطقة الخليل وصادرت مساحات شاسعة شمالي الضفة، في الوقت الذي يستمر فيه المستوطنون بزيادة اعتداءاتهم وتضييقهم الخناق على الفلسطينيين. أما في طولكرم، فتواصل قوات الاحتلال عدوانها على المدينة ومخيمها لليوم الـ191 على التوالي، ولليوم الـ178 على مخيم نور شمس وسط الدفع نحو المزيد من التعزيزات العسكرية وسط صمت دولي. وأسفر هذا التصعيد عن تهجير أكثر من 25 ألف فلسطيني، واستشهاد 14، منهم طفل وامرأتان، إضافة إلى تدمير واسع طال أكثر من ألف وحدة سكنية كاملا، وآلاف أخرى جزئيا، مع غياب تام لمظاهر الحياة الطبيعية في المخيمين، حسب وكالة "وفا".

سوريًا، بحث الرئيس أحمد الشرع مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول في دمشق العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة. وذكرت "الوكالة العربية السورية" أن الشرع أكد "انفتاح سوريا على أي مبادرات صادقة تدعم أمن واستقرار المنطقة، بشرط احترام سيادة البلاد وقرارها الوطني المستقل". ويتزامن ذلك مع تصاعد التوترات الامنية في مختلف أنحاء البلاد والتي تشكل هاجسًا امام الادارة السورية الجديدة بهدف ارساء الاستقرار وضبط الاوضاع وهو ما يحتاج الى المزيد من الوقت وسط مطالبات داخلية وخارجية بسوق المتهمين في احداث محافظة السويداء كما الساحل السوري وتقديمهم الى العدالة بهدف خفض الاحتقان. وفي هذا الإطار، وجّه قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، رسالة مصورة إلى أهالي المحافظة في أثناء جولة ميدانية قام بها، أكد فيها انتشار عناصر قوى الأمن في النقاط الأمنية لحماية الأهالي ومنع تكرار الاعتداءات الأخيرة.

في الشق الايراني، أصدر الرئيس مسعود بزشكيان قرارًا رسميًا بتعيين علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في إطار التغييرات الامنية والاستراتيجية التي تشهدها أعلى هيئة أمنية في البلاد بعد الحرب الإسرائيلية على إيران في حزيران/يونيو الماضي والتي استمرت زهاء 12 يومًا واستهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية ومدنية واغتالت قادة عسكريين كبار يشغلون مواقع شديدة الحساسية. ويحل لاريجاني محل الجنرال علي أكبر أحمديان الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2023 وسيعهد اليه اليوم تولي ملف "المهام الاستراتيجية" في لجنة الدفاع الوطني، التي تم إحياؤها لأول مرة منذ الحرب الإيرانية - العراقية في ثمانينات القرن الماضي. وذكرت وكالة "تسنيم"، التابعة لـ"الحرس الثوري"، أن أحمديان سيحظى بمنصب في حكومة بزشكيان ايضًا.

على الصعيد الدولي، يتوجه الموفد الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، اليوم الأربعاء، إلى موسكو، حيث يلتقي القيادة الروسية، وفق ما نقلته "وكالة الصحافة الفرنسية". وسبق أن التقى ويتكوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة مرات في العاصمة موسكو، لكن هذه الزيارة تأتي على وقع منح الرئيس ترامب روسيا مهلة حتى يوم الجمعة لوقف هجومها على كييف تحت طائلة التهديد بفرض عقوبات جديدة وذلك في اطار سياسة الضغط الاميركية بهدف التوصل الى اتفاق لوقف الحرب الأوكرانية بعد فشل جولات المباحثات السابقة.

هذا وركزت الصحف العربية الصادرة اليوم بأغلبيتها على الوضع الانساني الكارثي في قطاع غزة. واليكم ابرزها:

رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "مخاطر احتلال قطاع غزة تتمثل في التضحية بمصير الرهائن، إضافة إلى الخسائر التي يمكن أن تلحق بالجيش الإسرائيلي، ومشكلة لوجستية خطيرة تتمثل بإجلاء ما يقارب مليوني مدني فلسطيني، ويشكل ذلك مأزقًا استراتيجيًا يتمثل بالمدة التي سيستغرقها احتلال القطاع بأكمله"، مضيفة "من جديد يخوض نتنياهو المتحالف مع وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسليئيل سموترتيتش مغامرة غير محسوبة ولو أدى ذلك إلى خسارة كل الرهائن ومعهم الجثث، طالما أن أهدافهم الحقيقية تتمثل في حرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير، ثم الاستيطان والتهويد".

وفي الاطار عينه، شدّدت صحيفة "الراية" القطرية على أن "القطاع المنكوب يعاني وضعًا إنسانيًا كارثيًا بسبب تبعات العدوان الإسرائيلي الوحشي من التدمير والتهجير والتصفية العرقية، يُضاف إليها جريمة التجويع التي يمارسها عليه الاحتلال، حتى أضحينا أمام مأساة يعجز اللسان عن وصفها"، داعية الى "تحرك دولي جاد يتجاوز التصريحات إلى خطوات عملية ملموسة، وعلى العالم أجمع أن يجبر الاحتلال الوحشي الدموي على إيقاف جرائمه وحرب الإبادة التي يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل خاصة في قطاع غزة المنكوب، الذي يتعرض لأبشع حرب تصفية عرقية عرفها التاريخ منذ أكتوبر 2023".

صحيفة "عكاظ" السعودية، بدورها، لفتت الى أن "الحصار لم يعد مجرد واقعٍ مأساوي يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني، بل أصبح سلاحًا ممنهجًا يتجسّد في سياسة التجويع القاسية". وقالت "ستبقى وصمة العار تلاحق إسرائيل وأمريكا، ما دامت الأولى تصرّ على سياسة التجويع والإبادة الجماعية، وما دامت الثانية تُوفر لها الغطاء والدعم. لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يستمع للصوت السعودي العقلاني والشجاع، ويوقف جرائم إسرائيل التي تشوّه الضمير الإنساني، ويحاسب القوى التي تمنحها الشرعية والدعم. لقد آن الأوان لينتصر الحق على الظلم، ولتعلو أصوات السلام على طبول الحرب والمجاعة•.

وفي سياق متصل، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية "لا شك في أن استقرار لبنان جزء لا يتجزأ من استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ولا جدال أيضا في أن ثوابت السياسة الخارجية المصرية تجاه الدولة اللبنانية هي ذاتها، ولا تتغير، ولا تختلف، عند الحديث عن أي دولة أخرى بالمنطقة"، مؤكدة أن هناك "توافق مصري لبناني على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة وإنهاء العدوان الإسرائيلي، وذلك كله في إطار موقف شامل متكامل يتوافق عليه البلدان الشقيقان تجاه الدعم المستمر للشعب الفلسطيني، ولحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة، ورفض تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن