وقد تكون حرب غزّة "القشة التي قصمت ظهر البعير" بالنسبة لهذا المشروع الذي كان يُراد له أمريكيًا وأوروبيًا أن يكون بديلًا للغاز الروسي، وبالنسبة لإسرائيل كان يجسّد حلم التحوّل لدولة محورية في عالم الطاقة.
وخلال بداية حرب غزّة، قيّدت إسرائيل إنتاج الغاز من حقولها في البحر المتوسط، لأطول فترة في تاريخها خوفًا من هجمات الفصائل الفلسطينية، مما أظهر هشاشة وضع أصول الغاز المملوكة لدولة الاحتلال.
غاز شرق المتوسط قام على ثلاثية إسرائيل واليونان وقبرص
وقّع وزراء الطاقة في اليونان وإسرائيل وقبرص على الاتفاقية النهائية لمشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط EastMed في يناير/كانون الثاني 2020.
تم تصميم المشروع لنقل 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، من إسرائيل، وقبرص، وربما مصر، إلى اليونان وإيطاليا ومن الأخيرة إلى دول أوروبية أخرى، يمثّل هذا أكثر قليلًا من ثُمن كمية الغاز التي كانت تصدّرها روسيا لأوروبا قبل حرب أوكرانيا (155 مليار متر مكعب كانت تمثّل 45٪ من واردات الكتلة الأوروبية في عام 2021).
ويبلغ طول خط الأنابيب المقترح حوالى 1900 كيلومتر (1300 كيلومتر من الخطوط البحرية و600 كيلومتر من خطوط الأنابيب البرية)، أما العمق فيبلغ 3 كيلومترات، وكان يُفترض المضيّ قدمًا في خطط استكمال خط الأنابيب بحلول عام 2025.
وضع الغاز في شرق المتوسط
مصر: هي أكبر دولة لديها احتياطي من الغاز وأكبر منتج في شرق المتوسط، ولكن لديها سوق داخلي كبير أيضًا. فمع احتياطيات تبلغ 2200 مليار متر مكعب، أنتجت مصر في عام 2022 ما يقرب من 67 مليار متر مكعب، واستهلكت حوالى 61 مليار متر مكعب، واستوردت حوالى 6 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب من إسرائيل وصدّرت حوالى 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، حسب مجلة offshore المتخصصة في صناعة النفط والغاز البحرية.
العديد من حقول مصر القديمة تعاني من مشاكل تسرّب المياه وتُستنزف بسرعة
وانتعشت الصادرات المصرية لأوروبا بعد الحرب الأوكرانية، ولكن تعاني العديد من حقول مصر القديمة من مشاكل تسرّب المياه وتُستنزف بسرعة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في الآونة الأخيرة بسبب عدم كفاية الغاز لتوليد الطاقة، وتقوم القاهرة بجهود لتعزيز إنتاجها.
إسرائيل: لديها احتياطات تصل إلى 1000 مليار متر مكعب، ومتوسط إنتاجها حوالى 25 مليار متر مكعب في العام وتستهلك حوالى 13 مليار متر مكعب. وتصدّر حوالى 3 مليار متر مكعب سنويًا إلى الأردن وحوالى 6 مليار متر مكعب سنويًا إلى مصر، ويذهب جزء من الغاز الإسرائيلي لأوروبا بعد تسييله في منشآت التسييل المصرية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، منحت وزارة الطاقة الإسرائيلية 12 رخصة استكشاف جديدة لـ6 شركات، بما في ذلك مجموعة تقودها شركة "إيني" الإيطالية ومجموعة تضم شركة "سوكار" الأذربيجانية إلى جانب شركة "بي بي". ويضم كلا التحالفين شركاء إسرائيليين، ولكن خطط التوسع الإسرائيلية تواجه مشكلة طرق النقل، والمخاوف من استنزاف الاحتياطات والخلافات السياسية الداخلية حول المشروع وخاصة الجانب البيئي، وكذلك ارتباط المشروع بشخص رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الامر الذي يزيد مخاوف الشركاء الأجانب في ظل سقوطه المتوقع بعد نهاية حرب غزّة، خاصة أنّ إنتاج الغاز واجه جدلًا بيئيًا وماليًا داخليًا خلال فترة حكومة نفتالي بينيت القصيرة.
قبرص: لديها احتياطيات تبلغ حوالى 430 مليار متر مكعب، وهي تتمتع بإمكانات كامنة كبيرة ولكن ليس لديها حاليًا أي مشاريع لإنتاج الغاز أو التطوير قيد التنفيذ. كما أنها لا تملك الكثير من سوق الاستهلاك الداخلي. في عام 2024، من المتوقع أن تبدأ البلاد في استهلاك الغاز الطبيعي المسال عبر وحدة "FSRU".
لبنان: بدأت أنشطة التنقيب في أواخر أغسطس/آب 2023 في البلوك رقم 9 في لبنان ("موقع قانا")، والذي يمتد على الحدود البحرية الفعلية مع إسرائيل، وفقًا لاتفاق أبرم بوساطة أمريكية بحيث يتم استخراج الغاز من الجانب اللبناني، لكن سيتم تعويض إسرائيل عن الغاز المستخرج من جانبها من الخط الحدودي من قبل شركة "توتال" الفرنسية، بموجب صفقة جانبية توقّعها الشركة وإسرائيل.
لكن على الرغم من الآمال الكبيرة التي علقتها البلاد، فإنّ الحفر الذي قامت به شركة "توتال" الفرنسية في البئر الاستكشافي ("قانا" 31/1) لم يؤدِ إلى اكتشاف الهيدروكربونات حتى الآن، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن للشرق الأدنى.
حرب غزّة أطاحت بالخطط الخاصة بغاز غزّة على المستوى المنظور
غزّة: لديها ثروة غازية تقدّر بتريلون قدم مكعب، مما يتيح لها قدرة تصديرية كبيرة، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز، وأعلنت إسرائيل في يونيو/حزيران 2023 أنها وافقت على التعاون مع مصر والسلطة الفلسطينية لتطوير حقل غزّة البحري، الذي تم اكتشافه على بعد 30 كيلومترًا قبالة غزّة في عام 2000، (مع مراعاة ما وصفته باحتياجاتها الأمنية)، وكان من المخطط أنه سيتم ضخ حوالى 2 مليار متر مكعب سنويًا إلى شبكة الغاز المصرية للاستهلاك المحلي والتصدير، بما في ذلك التوريد إلى فلسطين على أن تتقاسم السلطة الفلسطينية الأرباح وفقًا لما هو معلن، ومن المعروف أنّ إسرائيل تخصم نسبة من عوائد الضرائب والجمارك التي تجنيها لصالح السلطة الفلسطينية، وتحجزها عادةً لابتزازها في الأزمات.
ولكن يبدو أن حرب غزّة أطاحت بالخطط الخاصة بغاز غزّة على الأقل على المستوى المنظور.
(خاص "عروبة 22")