سؤال: ماذا سيكون عليه الحال لو لم تقم إيران بتوجيه ضربة عسكرية إلى إسرائيل، ردًا على استهداف الجيش الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل الماضي؟.
أطرح هذا السؤال حتى يمكن مناقشة أصحاب الرأي القائل بأن الضربة الإيرانية أضرت بغزة وبالقضية الفلسطينية وأفادت إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو.
المؤكد أن نتنياهو استفاد هو وحكومته، لأن جزءا من الحكومات التي كانت قد بدأت تنتقده بسبب الوحشية المفرضة ضد قطاع غزة طوال أكثر من ستة شهور، قد اضطرت للتهدئة معه، بعد الرد الإيراني. والمؤكد أن نتنياهو وحكومته ودولته سوف يستغلون الرد الإيراني للحصول على أسلحة ودعم مالي ودبلوماسي من الحكومات الغربية جريا على العادة المتبعة منذ زرع إسرائيل في المنطقة.
والمؤكد أيضا أن أخبار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة قد توارت إلى حد ما طوال الأيام الماضية، وصار الصراع الإيراني الإسرائيلي يتصدر اهتمامات وسائل الإعلام والرأي العام في المنطقة وأجزاء كبيرة من العالم.
كل ما سبق صحيح، لكن من الموضوعية القول إنه يمثل جزءا من الصورة، وليس كل الصورة.
تعالوا نتخيل أن إيران لم ترد على تدمير قنصليتها في دمشق وقتل أحد أهم قادة فيلق القدس بالحرس الثوري محمد رضا زاهدي؟.
لو حدث ذلك، فإن أصحاب نظرية أن الرد الإيراني تسبب في دعم نتنياهو على حساب غزة، كانوا سيقولون: انظروا إن إيران خائفة ولم تستطع الرد على إسرائيل وأنها طوال سنوات كثيرة تتلقى العديد من الضربات الإسرائيلية، من دون قدرة على الرد.
لو لم ترد إيران بنفسها ومن أراضيها، كان أصحاب الرأي القائل بأن ضربتها أفادت إسرائيل سيقولون: انظروا أن إيران تضحي بالقوى المؤيدة لها في المنطقة ولا تريد أن تشتبك مباشرة مع إسرائيل، وتتبع «مبدأ التقية» مع أمريكا وإسرائيل. وأن هدفها هو مصالحها القومية الفارسية، وليس نصرة القضية الفلسطينية.
ربما يكون الجزء الأخير هو الصحيح، فإيران فعلا ومنذ ثورتها عام ١٩٧٩ تسعى لتعظيم وتحقيق مصالحها القومية، وربما يكون الجزء أو المكون أو الشعار الديني وسيلة لتحقيق ذلك. وتمكنت بسبب هذه الاستراتيجية من التأثير على القرارات في العديد من الدول العربية مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا وقطاع غزة.
مرة أخرى لو طرحنا السؤال العكسي وهو: ماذا كان سيحدث لو لم ترد إيران على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت أرضا إيرانية ذات سيادة وهي القسم القنصلي في سفارتها بالعاصمة السورية دمشق؟!
لو حدث ذلك ولم ترد إيران كانت العنجهية الإسرائيلية سوف تتزايد، خصوصا أن إسرائيل زادت في الأسابيع الأخيرة من وتيرة استهداف الشخصيات والمواقع والقيادات الإيرانية في سوريا ولبنان، ووجهت ضربات قوية لقيادات في الحرس الثوري الإيراني خصوصا في سوريا.
طبقا لرأي خبراء كثيرين فإن الرد الإيراني أعاد وضع قواعد جديدة للصراع الإيراني الإسرائيلي، فإذا لم تقم إسرائيل بالرد مرة أخرى على الضربة الإيرانية فإن القواعد الجديدة هي أن استهدافا إسرائيليا للمصالح الإيرانية سيعني وجود رد إيراني فوري.
مرة أخرى ما حدث في الأيام الأخيرة بين إسرائيل وإيران شديد التداخل والتعقيد، ومن الخطأ الفادح اختزاله في صيغة الأبيض والأسود. وبالتالي فإن التقييم الموضوعي يحتم النظر إلى كل مكونات الصورة بكل تفاصيلها. وبالتالي يتطلب التقييم الموضوعي مناقشة العديد من العوامل، وهو مدى قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بمفردها، والغياب العربي شبه الكامل عن هذا الصراع الذي كان اسمه الصراع العربي الإسرائيلي وصار اسمه الآن الصراع الإيراني الإسرائيلي.
("الشروق") المصرية