أثر تقدم الجزائر بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لصدور توصية منه إلى الجمعية العامة، لقبول دولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهو ما يؤدي إلى تعديل مكانتها في المنتظم الدولي، من مراقب إلى دولة كاملة العضوية، وقد وافق على مشروع القرار اثنتا عشرة دولة من أعضاء المجلس البالغ عددهم خمسة عشر، بينما امتنعت كل من المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، ومع ذلك فقد أوقف الفيتو الأمريكي صدور مثل هذه التوصية باستخدام حق النقض, الفيتو. وفي نظرنا، رب ضرة نافعة، إذ خدم الفيتو الأمريكي القضية الفلسطينية من حيث أراد أن يضرها. كيف؟
مشروع قرار التوصية، في الاعتداد بخطوط هدنة 1949 أو ما يسمى حدود 4 يونيو 1967 كحدود للدولة الفلسطينية، يتناقض مع توصية مجلس الأمن 69 لسنة 1949 بقبول دولة إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة بناء على قرار التقسيم 181 لسنة 1947، ويتعارض صراحة مع قرار الجمعية العامة رقم 273 لسنة 1949 المبني على توصية مجلس الأمن المذكورة، حيث نص القرار على قبول إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة، بمقتضى شروط، وهي المرة الأولى والوحيدة التي قبلت فيها الأمم المتحدة دولة عضو فيها بشروط. والشروط هي:
أولاً: قبول وتنفيذ قرار الجمعية العامة 181 لسنة 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة فلسطين العربية ودولة إسرائيل اليهودية. وهي وحتى اليوم لم تحترم هذا القرار بل واحتلت معظم أراضي دولة فلسطين العربية.
ثانيا: قبول وتنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 194 لسنة 1948 بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم.. وقد قامت إسرائيل بإعادة مائة ألف من الفلسطينيين، إلى مناطق الخط الأخضر، كبادرة حسن نية من أنها تقبل تنفيذ القرار. وتبين ان المبادرة كانت مناورة، حيث توقفت بعدها عن تنفيذ القرار.
ثالثا: احترام الوضع الخاص بمدينة القدس المتضمن في قرار التقسيم 181 لسنة 1947. ولم تحترم هذا الوضع، بل انتهكته واحتلت القدس الغربية وأقامت فيها دواوين حكومية، الأمر الذي اضطر معه مجلس الوصاية ان يصدر تنديدا بهذا العدوان.
رابعا: احترام ميثاق الأمم المتحدة. وحتى تاريخه لم تحترم مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة. كما ان مشروع القرار الجزائري بتحديد حدود دولة فلسطين بخطوط الرابع من يونيو 1967 ينال من قرار الجمعية العامة رقم 3236 في 22 نوفمبر 1974 الذي أكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين غير القابلة للتصرف، وخصوصاً الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي. الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، والحق في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم، وهذا القرار الأخير تم تدعيمه بصدور قرار الجمعية العامة رقم 3376 لسنة 1975 والقاضي بتشكيل اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، من أجل صياغة برنامج لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وكذلك ينال مشروع القرار الجزائري من إعلان الجزائر لعام 1988 والذي أصدره المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر، بقيام دولة فلسطين على أساس قرار التقسيم 181 لسنة 1947 .
لذلك وجب على منظمة التحرير الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، ان تعيدا تقديم الطلب لقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة بموجب قرار التقسيم 181 لسنة 1947، وهو ما أكدته وأيدته محكمة العدل الدولية في فتواها بشأن الجدار العازل لعام 2004، وهي الفتوى التي لم يتم تفعيلها والاستفادة منها حتى اليوم.
وأنصح المنظمة والجامعة، بأن يسبق تقديم الطلب بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، أن تبادرا فورا بتقديم مشروع قرار بصدور توصية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة بتعديل مكانة إسرائيل من دولة عضو في الأمم المتحدة إلى مراقب فحسب، وذلك حتى تقوم بتنفيذ الاشتراطات التي نص عليها قرار الجمعية العامة 273 لسنة 1949 بقبولها عضوا في المنظمة الدولية، وفي حال استخدمت أمريكا حق النقض ضد مشروع التوصية، يتم العرض على الدورة الاستثنائية العاشرة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة, منعقدة بصيغة الاتحاد من أجل السلام منذ عام 1997 وحتى اليوم، وذلك لما لها من اختصاصات مجلس الأمن بصدور التوصيات التي عجز عن إصدارها بسبب الفيتو الأمريكي، حال ان عدم صدور تلك التوصية تعد تهديدا للسلم والأمن الدوليين، من قبل دولة مارقة، تحاكم أمام الجهاز القضائي للأمم المتحدة - محكمة العدل الدولية - بتهمة ارتكاب جريمة إبادة الشعب الفلسطيني إبادة جماعية، وتعد مرتكبة لجرائم الإرهاب الدولي المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لمناهضة خطف الرهائن نيويورك 1979، حيث إن قيام قوات الاستعمار الاسرائيلي بعدوانها على غزة والمقاومة الفلسطينية بغية تحرير الرهائن لدى الفصائل الفلسطينية، يتعارض كلية مع حكم المادة 12 من الاتفاقية، والتي لا تعطي الحق لقوات الاستعمار بتحريرهم بالقوة المسلحة، وإنما تحريرهم يتم فقط بطريق التفاوض والمساعي الحميدة، مقابل منح الفلسطينيين حقوقهم غير القابلة للتصرف.
("الأهرام") المصرية