قضايا العرب

الدراما السورية بلا "لاجئين": بين "الترند" و"الرقابة"!

باريس - مزن مرشد

المشاركة

شهد الموسم الرمضاني 2024 عودة قوية للدراما السورية، فحققت المسلسلات التي عُرضت هذا الموسم تفاعلًا كبيرًا لدى المشاهد العربي والسوري على حد سواء، ولاقت نجاحًا واضحًا ومشهودًا لدى المتلقين عمومًا.

الدراما السورية بلا

كانت الانطلاقة هذا العام كمؤشر لعودة الدراما السورية لمكانتها، التي كرستها خلال فترتها الذهبية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي وحتى عام 2011 لتتراجع خلال العقد الأخير بسبب الأوضاع التي عصفت بالبلاد، فحاول صنّاع الدراما السورية التحايل على الوضع الصعب بالاتجاه إلى الأعمال المشتركة حينًا، أو الأعمال المقتَبسة عن أعمال ناجحة مثل "عروس بيروت" و"عرابة بيروت" و"الخائن" على سبيل المثال لا الحصر، ونقلوا أماكن التصوير من دمشق إلى مدن مستقرة أخرى، منها بيروت واسطنبول ودبي على سبيل المثال لا الحصر، بمحاولة ذكية لإخراج الدراما السورية من أزمتها الإجبارية المترافقة مع أزمة بلادها.

لكن الملفت للنظر في هذا الموسم هو الغياب الكلي لأي ذِكر للّاجئين السوريين خارج البلاد، أو لأزمة اللجوء بالعموم التي طالت حوالي 7 مليون سوري (هناك تقارير أممية تشير إلى عدد بين 9-10مليون) أي ما يقارب ثلث السكان، موزعين بين دول الجوار، ودول اللجوء سواء الأوروبية أو الأمريكية وكندا. الأمر الذي يطرح السؤال بقوة: لماذا غيّبت الدراما قضية اللجوء عن خطوطها، ولم تأتِ على طرح أي من القضايا المتعلقة بهذه الفئة؟. توجهتُ بهذا السؤال للنجم السوري رامز الأسود والذي تألق بدور "الوفا الشامي" في مسلسل "ولاد بديعة"، ولاقت هذه الشخصية نجاحًا كبيرًا على مستوى الوطن العربي.

القضايا الأكثر إلحاحاً تفرض نفسها

يعتقد الفنان رامز الأسود أنّ عدم طرق أبواب هذه القضية هو المتغيّرات التي تطرأ على حياة السوريين وبشكل متسارع للغاية، هذه المتغيرات طرأت على حياة الأفراد وعلى شكل المنطقة كلل اجتماعيًا وسياسيًا ونفسيًا، ما يستدعي بالضرورة تغيّر المواضيع المطروحة في الدراما أيضًا، فالدراما- والدراما المعاصرة تحديدًا- هي مرآة للواقع بكل ما فيه.

ويتابع الأسود حديثه لـ"عروبة 22": "في  كل سنة هناك مواضيع ملحة اكثر للنقاش والتداول، في السنوات الماضية تم التركيز درامياً على  جملة من مواضيع الاغتراب والهجرة واللجوء، وشاهدنا ذلك في عدة خطوط درامية بأعمال سورية متعددة، لكن في هذا الموسم، لم تأخذ هذه القضية حصتها، لأنها لم تعد كقضية طافية على السطح، لكنه – أي اللجوء - واحد من المواضيع التي ستظل ملحة بحياة السوريين ولفترة طويلة قادمة، أما اليوم، في هذا الموسم الدرامي تحديدًا، كانت هناك مسائل أكثر إلحاحًا على المستوى الداخلي في سوريا، منها التردي الاقتصادي، والتردي الاجتماعي، والتردي الأخلاقي أيضًا، ليصبح لدينا جملة من القضايا لفتت نظر صانعي الدراما أكثر من قضية اللجوء واللاجئين. ومع ذلك لا اعتقد أنّ موضوع اللجوء ممكن أن ينتهي من الدراما السورية فهو مؤهل للعودة إليه بالخطوط الدرامية دائمًا، لكن هذا الرمضان كان التركيز على الأعمال الاجتماعية، التي كان الشحّ فيها ووجود مسائل أكثر الحاحاً للنقاش هو فقط ما غيّب قضايا الهجرة واللجوء عن الخطوط الدرامية هذا العام".

"الجمهور عايز كدة"

أما المسرحي المخضرم الفنان نوار بلبل، فيرى أنّ المسألة ترتبط بشركات انتاج كل ما يهمّها هو التسويق، وهذا التسويق يعتمد بالدرجة الأولى على ذائقة الجهور العربي وما يعجبُه، بما معناه كما يُقال باللهجة المصرية: "الجمهور عايز كده".

ويلقي بلبل بالملامة على المعارضة السورية الرسمية، التي لم تهتم أبدًا لا بالفن ولا بالثقافة ولا بالإعلام، ولم يعنِها أبدًا أن تكون جهة منتجة لما يوضح حقيقة ما حصل في سوريا للرأي العام من خلال القنوات غير السياسية، ولا ما يتعرّض له السوريون من عذابات في دول الجوار، أو القضايا التي تهمّ السوريين في دول اللجوء وقضايا اللجوء، والمشكلات الطارئة على حياة السوريين كلاجئين ومهاجرين.

ويضيف لـ"عروبة 22" أنّ القضية أيضًا ترتبط بالكتّاب، فالكاتب يريد أن يطرق أبواب القضايا التي تتبناها شركات الإنتاج، فهو بالنهاية يهمّه أن يبيع منتجه، وبالتالي ما يحصل هو نتيجة طبيعية لسوقٍ يتحكم فيه "الترند" والمهم في نهاية المطاف ضمان بيع العمل ليحقق الربح المطلوب، ويستطرد بلبل بالقول: "علينا ألا نضحك على أنفسنا ونعترف بأنّ السوق الخليجي هو السوق الأقوى للدراما، ليس السورية فقط، وإنما العربية بشكل عام، ولذلك يقوم صنّاع الدراما بإنتاج الأعمال المناسبة لهذا السوق وما يمكن أن يراعي أذواق المتلقين في هذا السوق".

السوق يتحكّم المنتج

تتنفق الفنانة السورية القديرة عزة البحرة مع رأي الفنان نوار بلبل، وترى أنّ الإنتاج الدرامي دائمًا يرتبط برأس المال، والدراما الرمضانية هي "تجارة" اتفقنا أم لم نتفق على ذلك.

وتقول لـ"عروبة 22": إذا أردنا أن نتحدث بمنطق الاقتصاد لا نستطيع أن ننكر أنّ صناعة الدراما هي صناعة مكلفة جدًا، وبالمقابل هي أيضًا صناعة مربحة، فشركات الإنتاج حين تدفع الملايين بين شراء النص ودفع أجور الممثلين، والإخراج، والعمليات الفنية ليصل المسلسل أو العمل الدرامي إلى شكله النهائي، هي بالمقابل تسعى لاستعادة هذا المال مضاعفًا من خلال بيع هذا المنتج (المسلسل) واستعادة أموالها مع الأرباح المرجوة، لذلك فالأمر أولًا وأخيرًا يرتبط بشركات الإنتاج وما يتبنوه من أعمال، وبالتالي سوق منتجهم هو ما يتحكم بماذا ينتجون، أعمال تاريخية، كوميدية، فانتازيا، معاصرة وكل ما يريدون طرحه في هذه الأعمال المعاصرة تحديدًا.

الحقيقة لا تعجب أصحاب القرار

لم تكن رؤية الأسباب عند المخرجة التلفزيونية منال صالحية مشابهة أبدًا لرؤية الآخرين في أسباب عدم التطرّق لقضايا اللاجئين في الدراما السورية، لتقول لـ"عروبة 22": "بالطبع لن تتطرق الدراما لقضية اللجوء، فكما هو معلوم الدراما المُنتَجة في سوريا لا بد أن تخضع لموافقة الجهات الرقابية، وهذه الجهات نفسها لا تريد أن تعترف أنّ قرابة نصف الشعب السوري بات لاجئًا، ولا يريدون أن يعترفوا بالحقيقة بأن من وصل إلى بلاد اللجوء أنقذ نفسه وأسرته وأعطى أولاده فرصة حياة ومستقبل آمن، وجنسيات بلاد تحترم مواطنيها، فمن لجأ قد نجا، وهذا ما لا يريد القائمون على الرقابة في البلاد الاعتراف به".

وتتساءل في ضوء ذلك: "تحت مظلّة هذه الرقابة، مَن هو الكاتب البطل الذي سيجرؤ على قول الحقيقة؟ بلاد لم يعد فيها لا ماء ولا كهرباء ولا قدرة شرائية، بلد ينخره الفساد ويعيش جل مواطنيه تحت خط الفقر، فمن الكاتب الذي سيجرؤ أن يقول لهم أنتم هنا لستم أحياء ومن هو هذا الكاتب البطل القادر أن يقول وبصوت مرتفع إنّ الأسر السورية تعتمد اليوم على ما يرسله لها أبناؤها اللاجئون لأنّ المئة يورو فقط تحدث فرقًا في حياتهم في الداخل السوري؟".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن