وأعلن العراق أنّ حقل حلفاية الغازي بمحافظة ميسان، جنوب العراق سيدخل حيّز التشغيل الفعلي، إذ إنّ الحقل سينتج 300 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا، وكانت الوزارة قد أطلقت العام 2023 جولة تراخيص في مجال النفط والغاز، في سعي الحكومة لتعزيز استثمار الغاز المصاحب، لسد الحاجة المتصاعدة في إنتاج الطاقة الكهربائية، لا سيما أنّ العراق يعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني المستورد.
وبلغت نسبة إحتياط النفط المؤكد إلى الإحتياط العالمي للدول العربية، 55.7 في المائة من الإحتياط العالمي البالغ 1284 مليار برميل عام 2023، و26.5 في المائة من إحتياطي الغاز، إذ تمثل هذه الثّروة النّفطيّة والغاز الموضوع الرئيسي لعلاقات العراق الدولية، وهي تُعتبر سببًا رئيسيًا لتدخّل الدّول الخارجيّة، لتُمارس سلطتها في توجيه العلاقات داخل الشرق الأوسط والتأثير في مساراتها، إذ إنّ العراق يمكنه الاكتفاء ذاتيًا من حاجته إلى الغاز خلال السنوات القريبة المقبلة، فهو ضمن لائحة أكثر عشر دول في العالم لجهة إنفاقها على دعم الطاقة الأولية، حيث ينفق نحو 25 مليار دولار سنويًا، تذهب منها نحو 6 مليارات لاستيراد الغاز الإيراني.
عدم الاستثمار في مجال الغاز المصاحب أدى إلى خسائر فادحة فضلًا عن التلوّث البيئي الكبير
بدأت عملية استيراد الغاز الإيراني منذ نحو 8 سنوات بمتوسط 25 مليون متر مكعب يوميًا، وغالبًا ما يصيب التلكؤ عمليات الاستيراد في فصل الصيف ما يؤدي إلى تراجع إنتاج الطاقة في العراق إلى معدلات عالية وتتسبب في مشكلات كبيرة للحكومة، إذ يستورد العراق الغاز من خطوط الأنابيب التي تدخل أراضيه في محافظتي البصرة وديالى المحاذيتين لإيران، ويذهب الغاز إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدة محافظات، والغاز الموجود هو ذلك المصاحب لعمليات استخراج النفط، وليس لدى العراق مكامن غازية في باطن الأرض مثلما هو موجود في قطر مثلًا وتتناسب عملية استخراج الغاز لدى العراق مع حجم النفط المستخرج، بمعنى لو زادت كمية النفط على سقفها الحالي المقدّر بنحو 4 ملايين، فسيتضاعف حجم إنتاج الغاز، إذ إنّ عملية استيراد الغاز من إيران تناسب العراق، بالنظر لقرب المسافة بين البلدين وهذا يسهل العملية ويقلل من تكاليف النقل، ثم إنّ معظم دول جوار العراق ليس لديها غاز.
وكان لحرق الغاز المصاحب المستمر منذ سنوات تأثير سلبي على الاقتصاد العراقي، إذ إنّ عدم الاستثمار في مجال الغاز المصاحب في جولات التراخيص السابقة بين عامَي 2011 و2023، أدى إلى خسائر فادحة فضلًا عن التلوّث البيئي الكبير، وقد اتجه العراق منذ عامين لاستثمار الغاز المصاحب، ومن المفترض أنّ عقود مشاريع شركة توتال الفرنسية التي سترى النور منتصف عام 2026، ستؤدي لإنهاء مشكلة إحراق الغاز المصاحب، بما سيؤمن نحو 65% من حاجة العراق الفعلية للغاز، وبما سينعكس إيجابًا على الحد من استيراد الغاز.
من الجدير بالإشارة، أنّ أهمية استثمار الغاز المصاحب ستنعكس إيجابًا على المواطن العراقي، من خلال إنهاء مشكلة إحراق الغاز المصاحب الذي أدى لكوارث بيئية وانتشار واسع لأمراض السرطان في المحافظات الجنوبية المنتجة للنفط، وفيما يتعلق باستثمار حقول الغاز الطبيعي الحر في حقلي عكاز بمحافظة الأنبار (غربًا) وحقل المنصورية بديالى (شرقًا)، يؤمل أن تنطلق جولة التراخيص السابعة التي ستختص بالحقول الغازية قريبًا، كما أنّ العراق يمتلك 4 حقول للغاز الحر غير المصاحب، وهي حقول عكاز بالأنبار والمنصورية بديالى وسيبا بالبصرة وخورمور في السليمانية، علمًا أنّ حقلَيّ عكاز والمنصورية غير مستثمرين حتى الآن، بينما يُنتج حقل سيبا الغازي المكثفات فقط. أما استثمار العراق في مجال استثمار الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، فقد ارتفع لنحو 58%، وهناك مجموعة من الاستثمارات في حقل حلفاية في محافظة ميسان الذي سينتج 300 مليون قدم مكعب قياسي، إضافة إلى مشاريع أخرى ستنجز خلال عامين.
إنّ احتياجات العراق أكبر بكثير من كميات الإنتاج، فهو يُنتج نحو 3 مليون قدم مكعب قياسي سنويًا، تذهب نصفها حرقًا، فيما يُستثمر نحو 1.6 مليون قدم مكعب قياسي منها، في الوقت الذي يحتاج فيه العراق يوميًا نحو 40 مليون قدم مكعب من الغاز، وفي حال استثمار العراق لجميع الغاز المصاحب، فإنّ كميات الإنتاج لن تؤدي للاكتفاء الذاتي، علمًا أنّ حاجة العراق من الطاقة الكهربائية المنتجة عن طريق الغاز في تصاعد مستمر، إذ إن الطلب على الطاقة الكهربائية يقدّر اليوم بنحو 36 ألف ميغاوات، في الوقت الذي يُتوقع أن يرتفع حجم الطلب إلى نحو 70 ألف ميغاوات عام 2050، وبالتالي لن يستطيع العراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي خلال السنوات العشر القادمة، حتى لو استثمرت الحكومة حقول الغاز الطبيعي، التي من بينها حقل خورمور الغازي.
ضغوط ومساومات تُفرض من أصحاب المصالح المستفيدين لكي يستمر إستيراد الغاز وعدم تحقيق الإكتفاء الذاتي
هناك العديد من الأسباب التي تحد من إمكانية العراق، في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغاز الطبيعي، سواء الحر أو المصاحب، ويؤدي عدم استثمار حقلي عكاز والمنصورية إلى استمرار الاستيراد النهم للغاز من إيران، وعلى الحكومة العراقية التوجه لتنويع مصادر توليد الطاقة الكهربائية، لا سيما عبر استثمار الطاقة الشمسية وإدخال محطات إنتاج كهربائية تعمل بالنفط، لا سيما أنّ استيراد العراق للغاز الإيراني ليس ثابتًا، ويخضع للعديد من المحددات لعل أهمها تذبذب الواردات الإيرانية.
وفي الختام، تستمر الحكومة العراقية في مساعيها الرامية لإنهاء ملف إحراق الغاز المصاحب لعمليات الإنتاج النفطي، إذ إنّ هذه المساعي مهمة للغاية للحد من التلوث البيئي وللحد من استيراد الغاز الأجنبي بنسبة تقدر بنحو 50% خلال السنوات القليلة القادمة، بينما يستهدف العراق تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال السنوات الخمس المقبلة، وللوصول إلى ذلك، طرح العراق جولتين لتراخيص استكشاف الحقول النفطية والغازية، الأولى شملت أكثر من 10 حقول نفطية وغازية غرب العراق، والثانية تتضمن 13 حقلًا وموقعًا استكشافيًا تقع على الحدود الغربية للعراق، والتي ستمكنه من إنتاج أكثر من مليار و500 مليون قدم مكعب من الغاز. ومن الجدير بالذكر، أنّ العراق يمكن أن يصل إلى الإكتفاء الذاتي من الغاز من خلال تنفيذ الخطط الموضوعة لهذا الغرض، بعيدًا عن الضغوط والمساومات التي قد تُفرض من أصحاب المصالح المستفيدين، لكي يستمر إستيراد الغاز وعدم تحقيق الإكتفاء الذاتي.
(خاص "عروبة 22")