مِن أهم ردود الأفعال الغاضبة في الولايات المتحدة الأمريكية، على تلك الدولة الداعمة لإسرائيل سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، ودبلوماسيًا، بعض الحراك الجيلي الطلابي في عديد الجامعات الأمريكية الكبرى ومعهم بعض الأساتذة.
المشهد يعيد إلى الذاكرة التاريخية أحداث "ثورة الطلاب" عام 1968 احتجاجًا على الحرب في فيتنام
بدأت المظاهرات والاعتصامات فى جامعة كولومبيا، ثم امتدت إلى 47 جامعة، وأصبحت في بعض التقديرات 75 جامعة أمريكية، وانتقل الحراك في بعض محفّزاته إلى معهد العلوم السياسية، وجامعة السوربون بفرنسا، على نحو يعيد إلى الذاكرة التاريخية لعالمنا أحداث "ثورة الطلاب" عام 1968 التي بدأت في جامعة ييل احتجاجًا على الحرب في فيتنام، ثم انتقلت إلى فرنسا حول جامعة السوربون.
إلا أنّ كلا الحراكَين مختلف عن الآخر، بقطع النظر أنّ ثورة الاستهلاك المفرط أدت إلى احتواء الثورة الجيلية، وتجاوزها فى إطار مجتمع الاستعراض، وفق جي ديور.
حالة الغضب الجيلي الممتد بالتظاهرات والاعتصامات في عديد الجامعات، من كولومبيا إلى هارفارد، وييل، ونيويورك، ومعهد ماساتشوستس، وجامعة ولاية أريزونا، وبارنارد، ودينفر، وإيموري، وجورج واشنطن، وأوهايو، ونورث كارولينا، وجنوب كاليفورنيا، وتكساس في أوستن، وفرجينيا للتكنولوجيا وبرينستون، وجامعات أخرى، تمت مواجهتها باستخدام الأمن للعنف المفرط ضد الطلاب، وبعض الأساتذة، على نحو ذكر معه موقع "أكسيوس" الأمريكي أنه تم اعتقال ما يقرب من 600 شخص في جميع أنحاء البلاد.
فقد عمد ضباط الشرطة إلى ممارسة العنف ضد أساتذة مناصرين وداعمين لهذه الاحتجاجات، مثل الأستاذة نويل مكافي رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري التي تم اعتقالها في المظاهرات الداعمة لوقف إطلاق النار في غزّة، والتي قالت: "رسالتنا أنه يجب تغيير السياسات حيال القضايا المهمة في الشرق الأوسط"، وذهبت إلى القول إنّ "الشرطة كانت تتعامل مع الطلاب بطريقة مهينة.. وشهدتُ ذلك بعيني، وعندما تحدثتُ معهم اعتقلوني"، كمثال على المعاملة الغليظة والعنيفة للشرطة إزاء المتظاهرين.
واعتُقلت كذلك أستاذة الاقتصاد كارولين فوهلين، وأيضًا جيل ستاين المرشحة للرئاسة الأمريكية عن "الخضر" ذات الأصول اليهودية، لمشاركتها فى احتجاجات داعمة لغزّة، بجامعة واشنطن، وعديد من الطلبة ذوي الديانة اليهودية والرافضين لحرب الإبادة في غزّة.
انتفاضة الطلاب الإنسانية والأخلاقية ضد الإبادة الجماعية تمددت، من جامعة لأخرى ويدور غالبها على وقف التعامل بين بعض هذه الجامعات مع الشركات المنتجة للأسلحة وتزويد إسرائيل بها، ووقف التعامل والعلاقات العلمية والبحثية مع الجامعات ومراكز البحث الإسرائيلية، وعدم قبول التمويل لأبحاث تطوير الأسلحة لإسرائيل، وعدم التعامل مع بعض رجال الأعمال الداعمين لها، والشفافية بخصوص الأموال الداعمة لهذه الأبحاث، والأغراض التي تُستخدم فيها.
تغيّر جيلي ويقظة أخلاقية وإنسانوية لبعض طلاب الجامعات الأمريكية والفرنسية
وفي جامعة كولومبيا، دعا الطلاب المحتجون إلى بيع أسهم الجامعة في الصناديق والشركات التي تستفيد من غزو إسرائيل لقطاع غزّة مثل "جوجل"، و"إيربنت"، وفي جامعتي ييل وكورنيل سحب الاستثمارات والتعاون مع الشركات الإسرائيلية لا سيما العاملة في مجال التسليح، وفقًا لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، وبعض وسائل الإعلام في هذا الصدد.
ما الذي يكمن وراء بعض علامات التغيّر الجيلي واليقظة الأخلاقية والإنسانوية لبعض طلاب الجامعات الأمريكية، والفرنسية، إزاء السياسة الأمريكية والفرنسية الداعمة لإسرائيل في حرب الإبادة على المدنيين والمقاومة المشروعة في قطاع غزّة؟.
... للحديث بقيّة في المقال القادم.
(خاص "عروبة 22")