صحافة

إسرائيل والغرب.. وأد مشروع الدولة الفلسطينية

عبد المنعم المشاط

المشاركة
إسرائيل والغرب.. وأد مشروع الدولة الفلسطينية

لا يمكن إنكار الزخم الذي اكتسبته القضية الفلسطينية خلال نصف عام انقضى حيث تظاهر الشباب الأوروبي في عواصم الدول الأوروبية الكبرى كالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، ثم في الجامعات الأمريكية الشهيرة إلى حد أن وصفها نتنياهو «بالمروعة» والتي «ينبغي وقفها».

وتتخذ المظاهرات والاعتصامات موقفا مناهضا للحرب الإسرائيلية الغاشمة وسياسة التجويع والإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج أراضيه، ولقد دفع هذا الزخم بالبعض منا إلى التفاؤل، والاعتقاد بأن حل الدولتين، دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، قد صار ممكنا بل وضروريا لتحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط، بيد أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض/الفيتو على مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، ورغم أنه كان متوقعا، أثار السؤال من جديد هل من الممكن أن نرى حل الدولتين ضمن الأولويات الدولية في المنطقة؟ في ضوء عدة اعتبارات:

أولها: ذلك التحالف العضوي والاستراتيجي بين إسرائيل من ناحية والغرب - أي أوروبا والولايات المتحدة - من ناحية أخرى، وهو تحالف لن يهتز إلا إذا تعرضت مصالح الغرب في المنطقة إلى التهديد من جانب دول المنطقة، لأنه حتى الآن لا تمثل إسرائيل عبئا على الغرب رغم الدعم المطلق الذي تحظى به من المؤسسات التنفيذية والتشريعية الغربية.

ثانيها: الرؤية الإسرائيلية الواضحة والمعلنة بشأن إسرائيل الكبرى: من النهر إلى البحر وأنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني (سموتريتش) فقد أعلن نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة الشرق الأوسط الجديد متضمنة إسرائيل التي تغطي كل الأراضى الفلسطينية، وكان سموتريتش قد قدم خريطة أخرى في باريس تضم إلى جانب فلسطين الأردن وجزءا من سوريا والعراق ولبنان والسعودية، والواقع أن نتنياهو لا يعترف بأية إمكانية لحل الدولتين، ولهذا فإنه لا يسمح فقط بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكنه أيضا يقف ووزراؤه إلى جانب المستوطنين الذين يرهبون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ويطردونهم من بيوتهم ويستولون على ممتلكاتهم.

وثالثها: أن شباب العالم المهموم بالمعاناة الفلسطينية لا يملكون قدرة ولا قنوات التأثير على صنع القرار الخاص بإسرائيل في بلادهم، نعم لديهم تعاطف ومؤازرة للشعب الفلسطيني، ولكنهم يسأمون ساستهم ويعلمون أنهم يخشون حتى مجرد انتقاد السياسات الإسرائيلية.

رابعها: أن أنصار إسرائيل في الدارات المختلفة وفي المؤسسات التشريعية يوظفون بعض النصوص الدينية للتخويف من مغبة انتقاد إسرائيل وهنا وفي دول علمانية يتم استدعاء الدين وخلطه بالسياسة في حالة التنافس على دعم ومساندة إسرائيل، وهكذا ذكر «ريك ألان» عضو مجلس النواب الأمريكي ما ورد في سفر التكوين - على حد قوله – «أن الله قد أخذ على نبي الله إبراهيم عهدا بأنه سيباركه إذا بارك إسرائيل، وإذا لعنها فإن لعنته ستحل عليه». والحقيقة أن ذلك يعد أحد مصادر التأييد المطلق الذي تقدمه المسيحية الصهيونية لإسرائيل، ليس في وضعها الراهن، ولكن كما يخطط لها الإسرائيليون التوسعيون.

خامسها: أن الدول المناصرة للشعب الفلسطيني في النظام الدولي الراهن ليس لها وزن كبير أو تأثير فاعل على إمكانية الاعتراف بفلسطين، بالتأكيد يمكن أن يحدث ذلك في إطار ثنائي محدود، لكن الفيصل لا يكمن في تلك الدول وإنما في الغرب ودعمه المطلق لإسرائيل، لدرجة أن البعض صار يعتقد أن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية سيدفع بملايين الإسرائيليين إلى الهجرة المضادة إلى دولهم الأصلية في الغرب، وهو ما لا تريد أن تراه أوروبا والولايات المتحدة لأسباب معلومة للكافة.

يقضي القانون الدولي بضرورة توافر شروط أربعة لكي يتحول كيان ما إلى دولة في النظام الدولي الراهن؛ إقليم – أرض، وشعب، وحكومة، واعتراف دولي، وتنطبق الشروط الثلاثة الأولى على فلسطين، ويبقى توافر الاعتراف الدولي، وفي كل الحالات منذ الحرب العالمية الثانية، كان قبول الدول كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة يتم بصورة آلية حيث يوافق مجلس الأمن الذي يحيل أمر العضوية الكاملة إلى الجمعية العامة وتصير بعدها الدولة عضوا في الجماعة الدولية، ما عدا دولة فلسطين، فمن الجلي أنه لن يتم الاعتراف بها طالما تتمتع الولايات المتحدة بحق الفيتو على قرارات مجلس الأمن، لأن الإدارات الأمريكية المختلفة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، تخشى أولا غضب إسرائيل والمسيحية الصهيونية إن هي سمحت بالاعتراف بدولة فلسطينية عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، وهي لا تخشى على مصالحها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية في المنطقة إن هي قدمت لإسرائيل كامل الدعم لتصفية القضية الفلسطينية.

ونلاحظ أنه ليس من المفارقة في شيء أن تحتل الولايات المتحدة أجزاء من سوريا ودول أخرى في المنطقة وتزيد وتيرة تواجدها العسكري سواء في شكل قواعد عسكرية أو أساطيل وحاملات طائرات بصورة متزايدة يوما بعد يوم، فلماذا إذا المخاطرة بالمساعدة في إنشاء دولة فلسطينية قد تكون غير موالية؟!

دفعت هذه المعضلة المقاومة الفلسطينية الشرعية ضد الاحتلال وبناء المستعمرات ورفض التهجير والتجويع من ناحية، وخطة إسرائيل والغرب لتصفية القضية والتوسع الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة كمرحلة أولى ثم كيفية السيطرة على الأراضي العربية المجاورة كمرحلة لاحقة، دفعت البعض إلى محاولة استحضار نماذج تاريخية أشبه بدولة الاحتلال ومآل خططها الاستراتيجية، ومصير فلسطين. هناك نموذجان متناقضان في الشكل والمضمون، وكل منهما ينتهي إلى نتائج مختلفة، الأول نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والذي انتهى إلى إقامة دولة جنوب إفريقيا الديمقراطية حيث يحكمها الآن سكانها الأصليون، وإن كانت نهاية نظام الفصل العنصري تحققت بعد أن قاطعته الدول كافة وقاوم الأفارقة سيطرة المهاجرين الأوروبيين على بلدهم، هكذا سارت المقاومة بشقيها السلمي والعسكري جنبا إلى جنب مع الموقف الدولي القوي ضد التمييز العنصرى وسياسة الآبارتايد. ولا شك أن الموقف الغربي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يرقى أبدا إلى الموقف ضد سياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، على العكس تماما، يتفق الغرب مع إسرائيل في خططها التوسعية على حساب الشعب الفلسطيني.

أما النموذج الثاني، وهو النقيض تماما، فهو النموذج الأمريكي، حيث استخدم المهاجرون الأوروبيون القوة العسكرية الغاشمة ضد الهنود، سكان الولايات المتحدة الأصليين، وتمت إبادتهم الجماعية، وهروب من بقي منهم أحياء إلى مناطق بعيدة ومعزولة، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، والمتأمل لعلاقة إسرائيل، دولة الاحتلال بالشعب الفلسطيني، أصحاب الأرض، سوف يدرك أن إسرائيل تسعى لتطبيق التجربة الأمريكية على تصفية الشعب الفلسطيني أو تهجيره، أي أن يتم تفريغ فلسطين من شعبها، توطئة لإنشاء إسرائيل الكبرى بمباركة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة.

لا شك أن النظام الدولي الراهن والذي لا تزال تسيطر عليه الولايات المتحدة لا يسمح بوجود أطراف كبرى لدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، أو على الأقل وقف إسرائيل والغرب من وأد مشروع الدولة على الأراضي الفلسطينية.

وإلى أن يتغير النظام الدولي الراهن بصورة تعطي الصين وروسيا دورا أكثر تحديا للغرب فإن البقاء على مشروع الدولة الفلسطينية ووقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني على يد إسرائيل والغرب يتوقف علينا نحن الدول العربية، هل نستطيع أن نلوح للغرب بأن مصالحه الحيوية في المنطقة يمكن أن تضار إذا تم وأد مشروع الدولة الفلسطينية؟ أعتقد أن ذلك ممكن، بل وضروري لتحقيق الأمن والاستقرار في المدى الطويل. 

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن