وصف مايكل فخري، المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء، مشروع بايدن بـ"الخبيث"، لافتًا إلى أنّ الأمر يتجاوز ما تلوكه الإدارة الامريكية من أحاديث، حول الأسباب الإنسانية التي تقف وراء المشروع، لأنّ واشنطن ببساطة هي من توفر كل الأدوات اللازمة لآلة القتل الإسرائيلية، كي تجعل من غزّة مدينة تحت الركام.
يتجاوز ذلك الرصيف العائم، دوره كرصيف بحري مخصّص لتمكين سفن الشحن الضخمة من الرسو فيه، قبل أن تقوم بتفريغ بضائعها في قوارب أصغر، تنقل المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وخلافه، إلى القطاع المحاصر، فالأمر ينطوي على أهداف أخرى تسعى واشنطن وتل أبيب إلى تحقيقها مستغلةً ما يجري في غزّة من فظائع شغلت الرأي العام عما جرى الاتفاق عليه في الغرف المغلقة.
توضح صور الأقمار الصناعية التى تم بثها عبر شبكة الانترنت، أنّ القصة لا تتعلق بمجرد رصيف بحري صغير، مخصّص لإدخال المساعدات، بل ربما قد يكون خطوة أولى على طريق وضع المشروع الأمريكي الذي يحمل اسم "ممر الهند – الشرق الأوسط - أوروبا" حيّز التنفيذ، قبل أن ينقشع غبار المعارك في غزّة، ليواجه المشروع الصيني الذي يستهدف إحياء "طريق الحرير" القديم، الذي يشمل نحو 150 دولة، وحشدت له الصين ما يقرب من تريليون دولار أمريكي.
من جهة أخرى تسعى إسرائيل ومعها الولايات المتحدة إلى السيطرة على آبار الغاز والنفط التي تعوم فوقها المنطقة المواجهة للساحل الفلسطيني، خصوصًا بحر غزّة الذي تشير العديد من الدراسات المتخصصة في مجال الطاقة، إلى أنه يحمل في أعماقه ما يزيد على 2.5 ترليون متر مكعب من الغاز، وهو رقم يفوق بكثير ما تنتجه خزانات إسرائيل الأربعة الكبرى في البحر المتوسط، وعلى رأسها خزان ليفياثان الذي يقدّر إنتاجه بنحو 600 مليار متر مكعب، ثم خزان تمار، الذي يقدّر إنتاجه بنحو 300 مليار متر مكعب، ثم خزان كاريش تانين، الذي يقدّر حجم إنتاجه بنحو100 مليار متر مكعب، بينما يقف حقل الغاز الفلسطيني "غزة مارين" على بُعد أميال قليلة، في انتظار من يمد يده ليستخرج ثروته التي تقدّر وحدها بنحو تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، يقول الخبراء إنها قادرة على مد الاقتصاد الفلسطيني بأكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويًا، حيث يمكن للحقل في حال بدء العمل، أن ينتج وحده ما يقارب مليار ونصف مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، ولمدة تزيد على 20 عامًا!
تبدو السيطرة على موارد الطاقة الفلسطينية، هي كلمة السر في رصيف غزّة المؤقت، ولعلها أيضًا تمثّل أحد الأهداف الرئيسية للحرب الشعواء التي تشنها إسرائيل على غزّة، عبر خطة مُحكمة، تشغل خلالها إسرائيل المجتمع الدولي بما تقوم به من مذابح وتدمير في القطاع المحاصر، بينما ينصب جل أهدافها على حقول الغاز الثلاثة الرئيسية في المياه الإقليمية الفلسطينية، (غزة مارين، وشمشون، ونوى)، لذا لم يكن غريبًا أن تعمل حكومة نتنياهو في ظل الحرب التي تخوضها على إنهاء التراخيص اللازمة لسبعة من كبريات شركات التنقيب في العالم بغية البدء في عمليات مسح شاملة بحثًا عن الغاز في نحو 74% من المياه الإقليمية الفلسطينية في البحر المتوسط.
هل يمكن أن يكون الهدف الرئيسي من إنشاء رصيف غزّة، هو أن يتحوّل مع الوقت إلى منصّة عائمة لسرقة الغاز؟
موقع الرصيف الملاصق للشاطئ، يثير الكثير من علامات الاستفهام، بينما الطبيعي أن تُبنى مثل تلك المنصات داخل البحر، وعلى أعماق كبيرة من أجل السماح لغواطس السفن المحمّلة بـ"المساعدات" الرسو وتفريغ حمولاتها، وهو ما يعني أنّ أهدافًا اقتصادية أخرى غير معلنة للميناء، تمثّل الهدف الرئيسي من وراء إنشائه، وهي أهداف لا تقف بالضرورة عند حد سرقة الثروات الفلسطينية من الطاقة، لكنها تمتد أيضًا إلى الشروع عمليًا فى وضع اللبنات الأولى للمبادرة الأمريكية للتعاون في مجال النقل، التي تستهدف ربط الهند بدول الخليج العربي بحرًا، ومنها إلى الأردن وإسرائيل عن طريق السكك الحديدية، ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي بحرًا عبر سواحل غزّة، وهو المشروع الذي تقول الإدارة الأمريكية إنه يستهدف تعزيز حركة التجارة، وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي بين دول جنوب آسيا وأوروبا.
وتشير واشنطن إلى أنّ آثار هذا المشروع سوف تمتد على نحو يتيح للشرق الأوسط القيام بدور كبير في حركة التجارة العالمية، مشيرةً إلى أنه سيختصر بصورة كبيرة، ما تستغرقه الرحلات التجارية، في الطريق التقليدي الذي يربط جنوب شرق آسيا بأوروبا، بحرًا عن طريق المحيط الهندي، ثم البحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس، انتهاءً بالبحر المتوسط.
ويتخوّف العديد من المراقبين، من أن يتحوّل رصيف غزّة العائم في مراحل تشغيله الأولي، إلى واحدة من الوسائل الشيطانية، التي يمكن أن تستخدمها إسرائيل، لإغواء كثير من أبناء قطاع غزّة المحاصر، وبخاصة الشباب منهم، للهروب إلى أوروبا عبر قبرص التركية، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، عبر التعامي عن عملية الهروب وربما تسهيلها أيضًا، وهو ما يحوّل الرصيف إلى إحدى النقاط الرئيسية لتنفيذ خطة "ترانسفير" فلسطينية جديدة، تحت غواية الحلم الأوروبي هذه المرة، وهو سيناريو رغم سوداويته قابل للتحقيق، في ظل السعي الإسرائيلي المحموم، من أجل تهجير النسبة الغالبة من أهالي القطاع المكتظ بالسكان والبشر.
قبل أسابيع، وقف يوآف جالانت، وزير الدفاع الاسرائيلي، على بُعد أمتار قليلة من الجرافات الإسرائيلية التي تمهد الأرض لعشرات من الآليات الأمريكية، التي تعمل بهمّة على شاطئ غزة، ليقول أمام كاميرات عدد من الفضائيات الدولية، إنّ انشاء هذا الرصيف البحري، سوف يسهم في "تقويض سلطة حماس" على غزّة، لكن الحقيقة تقول بأنّ مثل هذا الرصيف الذي رفضه مجلس الوزراء الفلسطيني في غير مناسبة، مشددًا على أنّ دخول المساعدات "تكون عبر المعابر الرسمية المخصصة لذلك فقط"، يؤكد أنه لا علاقة له بالمساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون في القطاع المحاصر، وأنه لن يقوض سلطة "حماس" على غزّة، لكنه سوف يهدد أيضًا، وعلى نحو مباشر، مستقبل العديد من المشروعات الكبرى التي بدأتها بعض دول المنطقة، وعلى رأسها مصر في السنوات الأخيرة، وقد شرعت في عمليات تطوير شاملة لعدد من موانئها على ساحل المتوسط، وتدشين المنطقة الاقتصادية في إقليم القناة، انتهاءً بالموانئ الأخرى على ساحل البحر الأحمر.
(خاص "عروبة 22")