تتناقض مواقف إدارة بايدن تجاه إسرائيل ما بين تأييد الدعم الكامل مثل إقرار 26 مليار دولار مساعدات عسكرية لها واستخدام حق الفيتو ضد حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، واستمرار الدعم السياسي، وما بين التحفظ وممارسة بعض الضغوط على حكومة نتنياهو وتحذيرها من اجتياح رفح دون خطة موثوقة لإجلاء المدنيين، وإعلان تعليق تسليم بعض شحنات الأسلحة مثل شحنة 3 آلاف قنبلة غبية استخدمتها إسرائيل سابقا في هدم مربعات سكنية بكاملها في محافظات غزة المختلفة.
مواقف وسياسة إدارة بايدن التي تجمع بين سياسة الجزرة ودعم إسرائيل وسياسة العصا وتوجيه الانتقادات لحكومة نتنياهو تعكس مأزق الرئيس بايدن في إدارة الصراع في غزة منذ 8 أشهر، الذي انعكس في تناقض مواقفه وخطابه تجاه إسرائيل وتحديدا تجاه حكومة نتنياهو، والذي بدا للبعض في بعض الأحيان أن هناك خلافات حقيقية أو تباعدا في المواقف بين أمريكا وإسرائيل وراهن البعض عليه لحدوث تحول في السياسة الأمريكية باتجاه الضغط الحقيقي على إسرائيل ووقف الحرب، وهو ما يخالف السياسة الأمريكية على الأرض، سواء على مستوى الأقوال أو الأفعال .
أولا: هناك إطار ثابت يحكم العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية يقوم على التحالف الإستراتيجي بينهما واستمرار الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل على كل المستويات، بغض النظر عن اسم الرئيس الأمريكي سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا.
ثانيا: الخلاف بينهما لم ولن يصل إلى حد القطيعة أو الصدام، وإنما هو تباين تكتيكي في المواقف في إطار التحالف بين البلدين.
ثالثا: يمكن تفسير وفهم التناقض في المواقف الأمريكية تجاه إسرائيل خلال الفترة الماضية، في إطار حسابات بايدن المعقدة تجاه إسرائيل وتجاه الحرب في غزة، فالرئيس بايدن ارتكزت سياسته على الإمساك بالعصا من المنتصف، ومحاولة تحقيق المعادلة الصعبة وهي إرضاء كل الأطراف المتناقضين. فهو يحاول إرضاء المعسكر الضاغط عليه لتقليل أو وقف دعمه السياسي والعسكري لإسرائيل وأدى لارتكابها جرائم ضد الإنسانية، وهو ما انعكس في هذا العدد غير المسبوق من الضحايا الفلسطينيين، حيث أكثر من 36 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وعشرات الآلاف من المفقودين والجرحى وتدمير كامل لقطاع غزة، كما أن هذه الجرائم أضرت بصورة أمريكا عالميا خاصة في مجال مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني، والتي انهارت في غزة بسبب التغاضي الأمريكي عن جرائم إسرائيل بل دعمها عسكريا، ويضم هذا المعسكر الجناح اليساري والشباب في الحزب الديمقراطي، إضافة إلى الأقليات من العرب والمسلمين، وكذلك الطلبة في الجامعات الأمريكية بل بعض اليهود أيضا، إضافة إلى الضغوط العالمية المتزايدة على بايدن لتعديل سياسته بشأن إسرائيل. ولذلك يسعى بايدن لاستيعاب هذه الضغوط المتزايدة عليه، سواء داخل أمريكا وخارجها لاعتبارات انتخابية وتجنب تأثيرها السلبي على فرصه في الفوز بالانتخابات في ظل تراجع شعبيته وفقا لاستطلاعات الرأي لمصلحة منافسه ترامب، وبالتالي يحاول الظهور بأنه يضغط على إسرائيل، سواء في اتجاه الوصول إلى هدنة أو وضع خط أحمر بشأن رفض الاجتياح الإسرائيلي لرفح إلا بخطة واضحة لإجلاء المدنيين، كما أنه يهدد بتعليق شحنة القنابل لإسرائيل، أو اتهامها بتجاوز القانون الدولي الإنساني، كما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية الأخير، والذي كان متناقضا أيضا حيث أكد في نفس الوقت انه لا توجد أدلة قاطعة على أن استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية انتهاك للقانون الأمريكي أو القانون الدولي.
وفي المقابل يسعى بايدن لإرضاء المعسكر الآخر المؤيد لإسرائيل والذي يضم اللوبي اليهودي القوي، خاصة منظمة إيباك، المؤيد بقوة لإسرائيل وكذلك أعضاء الحزب الجمهوري. ويخشى بايدن أن ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو ستغضب هذا المعسكر، كما أن الجمهوريين سيستغلونها للمزايدة عليه لاعتبارات انتخابية واتهامه بالتخلي عن إسرائيل، كما حدث بعد تهديده بتعليق شحنة الأسلحة لإسرائيل.
هذه الضغوط المتضادة على بايدن جعلته يبدو مترددا ومتناقضا في سياسته، ومحاولا اتخاذ مواقف متوازنة، تهدف من ناحية لاستيعاب الضغوط المتزايدة عليه لأسباب انتخابية، ومن ناحية أخرى عدم إغضاب إسرائيل واللوبي المؤيد لها، ومن هنا هناك تناقض وفجوة كبيرة بين الأقوال والمواقف المعلنة لإدارة بايدن وبين أفعالها على الأرض. ففي الوقت الذي يبدو فيه أنه يضغط على إسرائيل فهو يستمر في دعمها بكل قوة ولم يضغط عليها بشكل جدي من أجل التوصل إلى هدنة، كما أنه استمر في دعمها عسكريا واستمرار تدفق شحنات الأسلحة رغم تعليق بعضها، كذلك استمر في دعمها في مجلس الأمن، ومنع حصول فلسطين على عضوية كاملة، وفي محكمة العدل الدولية ومنع إدانتها، إضافة لرفض توجه المحكمة الجنائية الدولية نحو إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين.
الإشكالية التي تواجه إستراتيجية بايدن في الإمساك بالعصا من المنتصف، ومحاولة إرضاء كل الأطراف المتناقضة، أنه لم يرض أي طرف، بل قد يخسر الجميع، كما أنه يضر بمصالح أمريكا الإستراتيجية في الشرق الأوسط وقد يخسر أيضا الانتخابات الرئاسية المقبلة.
("الأهرام") المصرية