شغل سؤال الهُوية هامشًا واسعًا من مُذكرات الكاتبة والفنانة الفلسطينية منى قطان في كتاب بعنوان "صورة شخصية لزوجة شاعر"، الذي صدر عن دار "الكرمة" في القاهرة هذا العام، ويدور في فلك علاقتها بزوجها الشاعر والفنان المصري الراحل صلاح جاهين.
تقاطعت اللغة والثقافة العربية مُبكرًا مع السياق "الرومانسي" للزوجين، فالكاتبة منى قطان، الفلسطينية الموّلد، حملت مُبكرًا تساؤلات حول هُويتها كما تقول في كتابها، وهي التي رحلت عن فلسطين مُبكرًا وتلقّت تعليمها في الخارج، حيث كانت اللغة العربية دائمًا على الهامش، وكانت فاقدة الثقة عند استخدامها لها.
فكلمات طفولتها الأولى كانت بالإيطالية، ولغة "تفلسفها" كانت الإنجليزية، أما لغة تدوينها فكانت الفرنسية، تُفسّر منى ذلك بالهيمنة الإنجليزية والفرنسية المُزدوجة على منطقة الشرق الأوسط في زمن الحربين العالميتين وما بينهما، تقول لأنّ الفلسطينيين فقدوا أرضهم كان عليهم تعويض ذلك بالاستثمار في التعليم الراقي الذي قد يكون وسيلة لأبنائهم للحصول على وظائف جيدة في المستقبل، وكانت هي ابنة الصحافية الفلسطينية جاكلين خوري، التي عملت صحافية في جريدة "الأهرام" المصرية.
هنا يمكن تأمل تلك المُفارقة العجيبة؛ أن تقع منى في حُب "شاعر فصيح" تجمعه علاقة استثنائية باللغة والثقافة العربية، تحكي في كتابها عن علاقة جاهين المُبكرة بمطالعة "ألف ليلة وليلة"، وعيون التراث العربي، فكان يُعبّر عن نفسه بكل سهولة وفصاحة باللغة، تقول إن الأمر تطلّب وقتًا ومشقّة كبيرة منها حتى نجحت في قراءة قصائده واستيعابها والاستمتاع بها، وألفت بالتدريج اللغة العربية، وافتتنت بها.
أما علاقتها بوطنها الأم، فكان جاهين يعرف فلسطين أكثر مما كانت تعرف هي عنها، فقد وُلدت في مدينة "حيفا" لكنها لم تحمل معها ذكريات من وطنها، وظلّت تتنقل مع والدها بين البلدان.
تُقارب منى قطان في نبرة ساخرة بين شعورها الوجداني في سنوات تكوينها الأولى وهذا التيه الذي طبع على هُويتها بقولها: "كنت أشبه بإحدى سيارات القرن الحادي والعشرين، التي جرى تصنيع عناصر تكوينها كلٌ في بلد، أينما كانت الأيدي العاملة مُتوفرة، لم أشعر يومًا بانتمائي لثقافة معينة"، إلا أنّ وقوعها في حب جاهين وهي في التاسعة عشر من عمرها، كان وازعًا مُبكرًا لها للتنقيب في تُربة الهُوية والوطن واللغة، وتُدين له بذلك.
(خاص "عروبة 22")