وبالنسبة الى جودة وكفاءة الإنتاج، هناك سمتان أساسيتان يجب التركيز عليهما وهما: التقدّم التكنولوجي وصلابة المؤسسات والسياسات.
كيف يتوافق كل هذا مع التجربة الاقتصادية في العالم العربي؟
يُظهر الجدول أدناه بيانات لفترة ما بين العام 1977 و2017.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو المنطقة العربية، وصل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.68% سنويًا خلال هذه الفترة، بحيث ساهمت مدخلات العمالة بنسبة 1.04%، فيما بلغت مساهمة مدخلات رأس المال 2.93%، ومساهمة مدخلات التعليم 0.54%. وبدلًا من أن تنعكس إيجابًا على النمو، انعكست إنتاجيّة إجمالي عوامل الإنتاج سلبًا عليه. حيث اقتطعت إنتاجية إجمالي عوامل الانتاج منه بمعدل 0.83% سنويًا. ويعود السبب الأساس في ذلك إلى السياسات الاقتصادية والمؤسسات السياسية، بالاضافة إلى انعدام الكفاءة في تطبيق التكنولوجيات الحديثة.
لن تتخطى الاقتصادات المتقدّمة 2.5% كمعدلات نمو سنوية ما لم يحدث تقدّم كبير على صعيد الكفاءة التكنولوجية
في المقابل وخلال الفترة ذاتها، بلغ متوسط النمو السنوي في الصين، التي أصبحت نموذجًا للنمو الفعّال والسريع في العصر الحديث، 6,57%، وقد ترافق ذلك مع مساهمات أعلى للعمالة ورأس المال والتعليم في النمو. أما المساهمة الإيجابية من إنتاجية اجمالي عوامل الانتاج فتبقى الأهم، إذ وصلت إلى معدل سنوي قدره 1.14%، أي حوالى 18% من نموها السنوي.
في ضوء هذا التحليل، كيف يبدو مستقبل عملية النمو الاقتصادي في العالم العربي؟
قبل التطرق إلى الحالة العربية، لا بد من النظر إلى مستقبل الدول المتقدمة، والتي صدّق أو لا تصدّق، لا تحمل بشائر إيجابية. فالشيخوخة وانخفاض عدد السكان في سن العمل، تساهمان في انخفاض مدخلات العمل في النمو، وستتبعها المدخرات وبالتالي مساهمة رأس المال في الانخفاض. وإذا أضفنا الركود في التحصيل التعليمي والصعوبة المتزايدة في تحقيق اختراقات تكنولوجية، فإنّ المساهمات من التعليم وإنتاجية عوامل الإنتاج ستنخفض أيضًا، والتي كانت تشكل 50% سابقًا من نسبة النمو. هذا يعني أنه في الأمد القريب أو المتوسط، لن تستطيع الاقتصادات المتقدّمة أن تتخطى نسبة 2% إلى 2.5% على الأكثر كمعدلات نمو سنوية، ما لم يحدث تقدّم كبير على صعيد الكفاءة التكنولوجية (الذكاء الاصطناعي، الهندسة الحيوية، تكنولوجيا المناخ ...).
ستستمر إنتاجية عوامل الإنتاج في إظهار مساهمات سلبية بالنمو إذا لم تلحق الاقتصادات العربية بالتكنولوجيات الحديثة
أما بالنسبة إلى البلدان العربية، فالتوقعات المستقبليّة تبدو أفضل حالًا من تلك الأوروبية. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ 30% من السكان العرب يقعون ضمن الفئة العمرية من 0 إلى 15 عامًا، مقابل 14% على سبيل المثال في أوروبا، ما سيؤدي إلى ارتفاع مدخلات العمل ومدخرات رأس المال. وينطبق الشيء نفسه على التعليم، فـ 47% من البالغين في المنطقة العربية يلتحقون بالتعليم العالي، مقابل 77% في أوروبا، وبالتالي فإنّ احتمالات تسجيل أعداد أكبر (ونأمل أن تكون أفضل) في التعليم العالي مرتفعة وكذلك مساهمة التعليم في النمو. ولكن ما قد يعيق هذه الآفاق الأفضل، هو المناخ الاقتصادي والسياسي، كما حصل سابقًا. فإذا لم تلحق الاقتصادات العربية بالتكنولوجيات الحديثة، واستمرت في الافتقار إلى الإدارة السياسية والاقتصادية الجيدة، فإنّ إنتاجية عوامل الإنتاج سوف تستمر في إظهار مساهمات سلبية في النمو.
هل سيدرك العالم العربي أهمية إنتاجية عوامل الإنتاج وكفاءة المؤسسات الاقتصادية والسياسية؟
يظهر تباين واضح بهذا الخصوص، وهو يتلخّص في تجربتين متعارضتين لبلدين عربيين: الإمارات العربية المتحدة ولبنان. فقد أدّت "العقلية التقدّمية" التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تنشيط الكفاءة التكنولوجية والاقتصادية، والتي ساهمت في ضمّها إلى صدارة مجموعة الأسواق الناشئة، إن لم تكن المتقدّمة؛ في حين أنّ "عقلية المقاومة" في لبنان جرّت أي شكل من أشكال الحكم الاقتصادي والسياسي في البلاد إلى مستوى الدولة الفاشلة!
(خاص "عروبة 22" - ترجمة: سحر الزرزور)