صحافة

هل نفد الصبر المصري من إسرائيل؟

عماد الدين حسين

المشاركة
هل نفد الصبر المصري من إسرائيل؟

هناك أكثر من كلمة مهمة في القمة العربية رقم ٣٣ التي انعقدت في المنامة عاصمة البحرين، يوم الخميس الماضي، برئاسة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تسلم الرئاسة من المملكة العربية السعودية التي مثلها ولي العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان.

كنت موجودًا فى القمة، بدعوة كريمة من وزارة الإعلام في البحرين، وقابلت مسؤولين وإعلاميين ومواطنين عربًا كثيرين في المنامة، وكانت فرصة طيبة لمزيد من الفهم والنقاش ومقابلة العديد من المصادر.

ومن خلال سماع كل كلمات رؤساء الوفود فأظن أن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي كانت قوية، وربما حوت أعنف لهجة مصرية ضد إسرائيل منذ سنوات، وقد تشير إلى أن صبر مصر تجاه إسرائيل أخذ فى النفاد، وهذا ما سجلته من فقرات ومواقف في هذه الكلمة:

الحرب الإسرائيلية «شعواء» ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، وعلى جميع الأطراف الاختيار بين مسارين: الأول السلام والاستقرار والأمل أو مسار الفوضى والدمار.

التاريخ سيسجل هذه الحرب باعتبارها مأساة كبرى عنوانها الإمعان في القتل والانتقام وحصار شعب كامل وتجويعه وترويعه وتشريد أبنائه، والسعي لتهجيره قسريًا واستيطان أراضيهم، وسط عجز مؤسف من المجتمع الدولي بقواه الفاعلة ومؤسساته الأممية.

حقوق أطفال فلسطين الذين تعرض عشرات الآلاف منهم للقتل أو صاروا يتامى ستظل سيفًا مسلطًا على ضمير الإنسانية حتى تحقيق العدالة.

بينما تحاول مصر، ومعها الأشقاء والأصدقاء إنقاذ المنطقة من السقوط في هاوية عميقة، فهى لا تجد الإرادة السياسية الدولية الحقيقية الراغبة في إنهاء الاحتلال ومعالجة جذور الصراع عن حل الدولتين، بل تهرب إسرائيل من المسؤولية وتحكم الحصار على الشعب الفلسطيني من خلال احتلال معبر رفح.

في كلمته حدد السيسي الثوابت المصرية بصورة قاطعة، وهي رفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريًا أو من خلال خلق الظروف التي تجعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة بهدف إخلاء فلسطين من أهلها.

قال السيسي مخاطبًا إسرائيل: «واهم من يتصور أن الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، ومخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية يمكن أن تجدي نفعًا أو تحقق مكسبًا، لأن مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن تمسك بها دعاة الحروب والمعارك الصفرية».

ومن الواضح أن الفقرة السابقة هي أفضل توصيف الحكومة شديدة التطرف.

ورغم ذلك فإن السيسي لم يغلق باب السلام، حينما قال إنه رغم كل ما سبق فإنها متمسكة بالأمل في غلبة أصوات العقل والعدل، لإنقاذ المنطقة من الغرق في بحار لا تنتهى من الحروب والدماء.

وكان لافتًا إلى أن السيسي وجد ما يشبه النداء الأخير، حينما قال: «إن ثقة جميع شعوب العالم في عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار لا مثيل له، وأن تبعات ذلك ستكون كبيرة على السلام والأمن، فالعدل يجب ألا يتجزأ وحياة أبناء الشعب الفلسطيني لا تقل أهمية عن حياة أي شعب آخر، وهم يستحقون الحصول على حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية».

انتهى اقتباسي من كلمة السيسي، أن مصر خاضت أربع حروب دفاعًا عن الأمن القومي المصري والعربي، ثم فعلت كل ما يمكنها من أجل السلام. فاوضت إسرائيل منذ فض الاشتباك الأول عام ١٩٧٤، وتوصلت إلى الاتفاق الإطاري في كامب ديفيد عام ١٩٧٨ ثم معاهدة السلام عام ١٩٧٩، واستردت سيناء عام ١٩٨٢، ثم طابا عام ١٩٨٩، ودخلت في سلام بارد حتى ٧ أكتوبر الماضي، واستيقظت لتدرك أن جوهر المشروع الاستيطاني الصهيون لم يتغير، وأن مشروعات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهلها على حساب الدول المجاورة موضوعة في الأدراج تنتظر اللحظة المناسبة.

التحرك المصري المدعوم عربيًا ودوليًا أوقف المشروع الإسرائيلي حتى الآن، لكن هذه المطامع لم تنتهِ.

كلمة الرئيس السيسي تقول، إن صبر القاهرة ربما بدأ ينفد، وهناك شواهد كثيرة على ذلك من أول الإصرار على الانسحاب من معبر رفح إلى التداخل في محكمة العدل الدولية واللهجة الإعلامية القوية، لكن حكومة الجنون في تل أبيب لا تدرك خطورة أن ينفد صبر مصر.

القمة شهدت كلمات مهمة جيدة جدًا خصوصًا كلمة الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط. وفي النهاية فإن الشعوب العربية تحتاج إلى إجراءات عملية على الأرض.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن