كان من أبرز مخرجات القمة العربية الأخيرة في البحرين هو الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام وإرسال قوات تابعة للأمم المتحدة إلى غزة، وهو ما يعكس المقاربة المصرية والعربية القائمة على ضرورة الحل الجذري والشامل والدائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين، لأن ما حدث ويحدث حاليا من مواجهات دموية بين الإسرائيليين والفلسطينيين يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين، عرض لمرض وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضى الفلسطينية، والعدوان المتواصل على الفلسطينيين، وغياب أفق التسوية السياسية.
ومن هنا تبرز ضرورة التحرك العاجل وعلى المستوى الدولي لتحريك المياه الراكدة في عملية السلام المجمدة منذ عشر سنوات بسبب التعنت الإسرائيلي ورفض تقديم تنازلات جوهرية للفلسطينيين وبسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل وتبني رؤيتها للسلام والتي تتنافى مع الرؤية القائمة على قرارات الشرعية الدولية. وتبرز أهداف هذا المؤتمر ليس فقط في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن أيضا العمل على إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة في ظل حالة الزخم الدولي الكبيرة وتزايد القناعة والإجماع العالمي على ضرورة الاعتراف بدولة فلسطينية، والذي انعكس في الرفض الرسمي والشعبي الدولي لما تقوم به إسرائيل من جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتزايد التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، كما برز في المظاهرات الشعبية التي شهدتها الدول الغربية، كذلك إعلان عدد من الدول والحكومات الغربية مثل إسبانيا، عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد، كذلك تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا بأغلبية 143 دولة لصالح حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة بعد أن أجهض الفيتو الأمريكي هذه العضوية في مجلس الأمن رغم موافقة 13 دولة من بينها فرنسا.
كما أن الدافع الآخر وراء الدعوة لمؤتمر دولي للسلام، هو كسر الاحتكار الأمريكي لعملية السلام منذ مؤتمر مدريد عام 1991، بعد تهميش روسيا الراعي الرسمي الثاني للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وخلال ما يقارب 4 عقود من المؤتمرات والمبادرات والتحركات لم تنجح جميعها في تحقيق السلام العادل والدائم بسبب أن أمريكا لم تكن وسيطا محايدا ونزيها في عملية السلام، وتماهت مع الموقف الإسرائيلي ووفرت لحليفتها إسرائيل المظلة الحمائية في مجلس الأمن والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، ولم تقم بممارسة ضغوط جادة على الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات حقيقية، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بل إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، خاصة حكومة نتنياهو، أجهضت كل الفرص والتحركات لإقامة الدولة الفلسطينية، وأقصى ما يمكن أن تقدمه هو مجرد حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وغزة مع استبعاد القدس الشرقية، بل إنها استهدفت من وراء عدوانها الأخير على غزة تصفية من تبقى من القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين قسرا، وبالتالي إجهاض أي أمال في إقامة الدولة الفلسطينية.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المؤتمر في التصدى لمخططات نتنياهو في تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال غزة، وكذلك كسر الهيمنة الأمريكية على عملية السلام وإدخال قوى كبرى أخرى في النظام الدولي مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي لموازنة الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وإيجاد قوة دفع تعكس الإرادة الدولية الحالية لحل القضية الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية والبدء في هذا الحل بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون خلال الأشهر الثمانية الماضية وتجسد في أكثر من 140 ألف ضحية ما بين شهيد ومفقود ومصاب وتدمير كامل للقطاع.
ويرتكز مؤتمر السلام المزمع عقده في البحرين على مبادرة السلام العربية التي أكدها بيان قمة البحرين، باعتبار أن السلام خيار العرب إلإستراتيجي والتي ترتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام.
لكن هناك تحديات تواجه المؤتمر الدولي للسلام وإرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي المستمر.
الأول: معارضة أمريكا لهذا المؤتمر تحت ذريعة ان إقامة الدولة الفلسطينية لا بد أن يكون من خلال المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما أن مخرجات المؤتمر تتطلب التوافق الدولي، خاصة بين القوى الكبرى لإلزام إسرائيل بالانخراط في عملية السلام وتقديم تنازلات حقيقية باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية، كما أن إرسال قوات دولية يتطلب تشكيل بعثة سلام من مجلس الأمن، وهو ما ستعارضه أمريكا باستخدام الفيتو.
والثاني: رفض الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تشددا في تاريخ إسرائيل، لأي أدوار أخرى في عملية السلام غير الدور الأمريكي ورفضها المشاركة في هذا المؤتمر أو تنفيذ ما قد يصدر عنه من قرارات. وقد رفضت في السابق العديد من مبادرات السلام ومنها مبادرات أوروبية متنوعة.
لكن رغم تلك التحديات فإن المؤتمر الدولي للسلام يمثل خطوة مهمة في اتجاه التحرك العربي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ودعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة والضغط على الجانب الأمريكي لوقف دعمه المطلق لإسرائيل وتفعيل دوره في عملية السلام بشكل نزيه ومحايد، وتوظيف التأييد الدولي المتزايد للفلسطينيين في إنهاء هذا الصراع التاريخي الذي يعد الشرط الأساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
("الأهرام") المصرية