دخل العداء الإيراني - الإسرائيلي نفقا مظلما.. يصارع كلاهما الآخر بكل ما أوتي من قوة ويتحين فرصا مواتية لتوجيه ضربات مباغتة تصوب نحو أهداف إستراتيجية.. يعترف بارتكابها أحيانا وأحيانا أخرى يلوذ الصمت المريب في شأنها.. فلا يعلن أحدهما ضلوعه بالوقوف خلفها.. ليبقى الصراع قائما بصور وأشكال متعددة إلى أن تتغير سياسات الدولتين.. فعداء الخصوم لا يستمر أمد الدهر.. يوم يطرق الأبواب اتفاق يفضي لسلام وإن لم يكن بالمنظور القريب قادما.
لا يكف بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل عن التلويح مشهرا سيف الحرب من غمده بوجه إيران طوال سنوات دون ترجمة لكلامه بعمل مباشر.. فاتجاهاته تميل عزفا على أوتار الخوف السائد لدغدغة مشاعر الرأي العام الإسرائيلي ومخاطبة رغبته الجامحة لرؤية نهاية النفوذ الإيراني.. غير أن ما تجلبه تلك الرؤية يسكنها خيار مجهول العواقب وتؤدي بشعوب المنطقة في لحظة تهور إلى حياة قاسية وسط الدمار والخراب.
دلف العداء صوب منعطف خطير بدا بوضوح شديد في الأول من أبريل الماضي.. عندما أغارت إسرائيل على مبنى السفارة الإيرانية بدمشق وأسفرت عن مقتل اثنين من كبار قادة الحرس الثوري وسبعة ضباط آخرين وأوجعتها الضربة ولم تستطع التزام الصمت وبادرت بالكشف عن موعد هجوم تشنه ردا عليها دون الاستعانة بالجبهات المزروعة- تحيط بإسرائيل- محاصرة إياها.. نفذته مباشرة لأول مرة مستخدمة قدراتها العسكرية ليأخذ الصراع منحى تجاه مواجهة ظاهرة للعالم هوت عنها ستائر التخفي. وهو ما دفع العدوين نحو الوقوف على شفا حرب شاملة - تلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى- فذلك أول هجوم مباشر لإيران على الجبهة الداخلية الإسرائيلية دون أن يكون لوكلائها مشاركة أو مسؤولية تناط.. أرادت التصدي وحدها بالرد والتوعد إذا عاودت إسرائيل الهجوم فإن ردها سيكون أقوى وأعنف بأضعاف هجوم السبت الأول من ابريل وسوف تفعل لتمعن اختراق الحصن الذي لم يبلغوه من قبل وربما كان يتطور بينهما صراع الحدث لهجوم واسع وممتد بأسراب من المسيَّرات والصواريخ الباليستية.
عقود ممتدة وما زالت حرب الظل تجري داخل البلدين وتنال من مصالحهما بصور وأشكال متعددة تستخدم فيها الأسلحة العادية والسيبرانية.. فتضرب إسرائيل المنشآت النووية وتغتال العلماء فيها وتعترض إيران السفن الإسرائيلية في المياه الإقليمية ويطلق حلفاؤها الصواريخ والمسيرات على أرضها من لبنان واليمن وسوريا والعراق وقد سمحت هذه الحرب السرية لكليهما بالإفلات من تحمل المسؤولية السياسية والقانونية. فالمواجهات غير التقليدية الواقعة بينهما طوال السنوات الطويلة الممتدة.. ربما لا يتولد على أثرها احتمال قائم للحرب الشاملة في المدى المنظور خلال العامين القادمين على الأقل.. إذ إن التحول لصدام مباشر تستخدم فيه الدولتان أقصى قدراتهما العسكرية يظل مرهونا بحسابات مغايرة لا تتعلق بالموقف الذي تتخذه كل منهما.. بل بمواقف واتجاهات دول كبرى لديها مصالح في المنطقة ولن تسمح بحدوث ما يعرضها للخطر.
أوشكت أن تطرق الحرب أبواب الدولتين بعنف إثر سوء تقييم الحسابات.. عندما شنت إسرائيل غارتها أول أبريل على مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق ولم تتوقع - الرد المباشر- قادما من إيران.. عقب ذلك اقتربت منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى من الانزلاق إلى حرب إقليمية بين أقوى قوتين عسكريتين والزج بدول أخرى في نزاع سيكون الأكثر دموية بالتاريخ الحديث.. صحيح أن إيران وإسرائيل بعثتا برسائل تفيد بعدم الرغبة في التورط بحرب شاملة.. إلا أن ذلك لم يغير بحقيقة النزاع الطويل بين البلدين والخلافات الموضوعية وتضارب المصالح السياسية والإستراتيجية والطموحات الإقليمية وكلها عوامل تؤكد أن احتواء صواريخ ومسيرات أبريل تعني تأجيل الحرب مؤقتا وليس إزالة الأسباب الداعية لوجود الصراع. يبدو في الأفق - يلوح - توقع أن إسرائيل تخطط لزيادة وتيرة هجماتها السيبرانية وعمليات الاغتيال الموجهة للعلماء الإيرانيين والمسؤولين السياسيين دون الإقدام على شن حرب شاملة وسيبقى الموقف على حاله على الأقل في أثناء ولاية الرئيس بايدن.. كون إدارته لن تؤيد قيام تل أبيب بشن هجمات عسكرية على المشروع النووي الإيراني تحسبا لتداعياتها على المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط وعدم الرغبة باندلاع أزمة كبرى تضع أعباء جديدة فوق ما وضعته المواجهة مع روسيا والصين على خلفية الحرب الأوكرانية الجارية.
لن تجد إيران أي مصلحة تجني ثمارها بالتورط في حرب شاملة مع إسرائيل وحصاد ما تخلفه وراءها من دمار وخراب إذا وقعت وعلى هذا الأساس تنتهج بموقفها الثابت للعمل بمنطق رد الفعل على العمليات العدائية ضدها باستخدام وسائط متنوعة تؤدي لاستمرار دعمها للجماعات والتنظيمات المسلحة المهددة لأمن إسرائيل وتوجيه الضربات الانتقامية للسفن التجارية والعمل على تحسين قدراتها لشن حروب سيبرانية.
("الأهرام") المصرية