كلما طالت أزمة الحرب الإسرائيلية على غزة تزايدت الأسئلة من حيث الكم وتعمقت من حيث الكيف، بينما لم تعد هناك إجابات كافية أو قادرة على أن تلاحق هذه الاستفسارات التي تتركز على نقطتين رئيسيتين الأولى متى سنشهد انتهاء هذه الحرب، والثانية ما هي طبيعة الوضع الذي سوف يؤول إليه القطاع في مرحلة اليوم التالي.
قراءة الوضع الراهن تقودنا بوضوح إلى أن هناك تطورات سلبية متسارعة، سواء بالنسبة لطبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، وأخرى إيجابية في الحراك الإقليمي والدولي تجاه القضية الفلسطينية، ولكن من الصعب الجزم إلى أي اتجاه يمكن أن تقودنا هذه التطورات، هل في اتجاه التهدئة والتسكين أم في اتجاه التوتر والتصعيد.
هناك مجموعة مسارات تعكس لنا طبيعة الموقف الحالي يمكن إجمالها فيما يلي: - استمرار العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة خاصة في منطقة الشمال وتحديداً في مخيمات البريج وجباليا، وكذا في المنطقة الجنوبية، وتحديداً في مدينة رفح التي بدأ الجيش الإسرائيلي منذ ثلاثة أسابيع اقتحامها تدريجياً ابتداء من الشرق إلى الغرب، مروراً باحتلال معبر رفح الفلسطيني وأجزاء من محور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا الواقع بكامله داخل الأراضي الفلسطينية دون أن يعبأ بأي تحذيرات بعدم الإقدام على هذه الخطوة.
التوافق التدريجي بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي تجاه عملية رفح وقد ساعد في ذلك نزوح نحو مليون مواطن فلسطيني من مدينة رفح إلى منطقة وسط القطاع، وإن كانت المدينة لم تسلم من المجازر التي نفذتها إسرائيل في بعض مخيمات تل السلطان في رفح مساء يوم 26 الحالي.
تزايد حدة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة نظراً لاحتلال إسرائيل معبر رفح الذي تدخل منه المساعدات إلى القطاع مع رفض مصر التسليم بالأمر الواقع الذي حاولت إسرائيل أن تفرضه باحتلالها المعبر، إلا أن الاتصال الذي تم أخيرا بين الرئيس الأمريكي والرئيس عبدالفتاح السيسي أسهم إلى حد كبير في إيجاد حلول وسط مؤقتة بإدخال المساعدات المصرية من معبر كرم أبو سالم حتى يتم التوصل إلى حل مقبول لمشكلة معبر رفح .
التوجه نحو استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية من أجل التوصل إلى الهدنة الإنسانية خاصة بعد التعثر الذي شهدته هذه المفاوضات خلال الأسابيع القليلة الماضية.
محاولة الموقف العربي وضع بعض الأسس للتعامل مع جوهر القضية الفلسطينية مع التركيز في قمة البحرين على عنصرين رئيسيين: الأول عقد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية تحت رعاية الأمم المتحدة على أساس حل الدولتين، والثاني المطالبة بنشر قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية لحماية المدنيين حتى تنفيذ حل الدولتين .
تنشيط الحراك الدولي تجاه القضية الفلسطينية، سواء من خلال قرارات محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية بمطالبة إسرائيل بإيقاف الحرب، وكذا اعتقال بعض القيادات الإسرائيلية والحمساوية، بالإضافة إلى اعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية.
ومن الواضح أن هذه التطورات الأخيرة لم تؤد إلى تحريك الموقف الأمني والسياسي في ضوء العوامل التالية: -
تمسك الموقف الإسرائيلي باستمرار العمليات العسكرية في رفح حتى تستكمل تحقيق أهدافها المعلنة.
مواصلة احتلال إسرائيل معبر رفح الفلسطيني، وهو ما يمثل أحد العوائق الرئيسية أمام إنجاز موضوعي المساعدات والهدنة.
قدرة رئيس الوزراء «نتنياهو» على الإمساك بالأدوات التي تتيح له استمرار الائتلاف المتطرف بالرغم من وجود بعض مظاهر الانقسام الداخلي، إلا أنها لم تتبلور حتى الآن إلى تهديد حقيقي لوضعية الحكومة التي تتمتع بأغلبية تمنحها القدرة على الاستمرار إلا في حالة تقديم موعد الانتخابات.
مواصلة الولايات المتحدة توفير عنصر الحماية لإسرائيل في مواجهة الضغوط الدولية وبما يعكس مدى تأثير عام الانتخابات الرئاسية على الموقف الأمريكي تجاه السياسة الإسرائيلية.
استمرار تمسك حماس بمواقفها المعلنة بالنسبة لربط موافقتها على صفقة أسرى جديدة بالتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية.
طبيعة موقف السلطة الفلسطينية إزاء كيفية التعامل مع المتغيرات المتسارعة، سواء بالنسبة للسيطرة على المعابر أو دور السلطة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب.
وفي الجانب المقابل يأتي الموقف المصري باعتباره أهم الأطراف التي تتحرك من أجل إنهاء أزمة غزة بالرغم من بعض المحاولات التي تسعى للنيل من فاعلية هذا التحرك، إلا أن قناعة مصر بأن دورها يتعدى مجرد الوساطة إلى الدور الرئيسي في حماية القضية الفلسطينية والتصدي لمحاولات تصفيتها قد فرض عليها تخطي بعض العقبات الحالية، والتوجه نحو استئناف دورها الذي لا غنى عنه مطلقاً، سواء في إدخال المساعدات إلى القطاع أو العودة لمفاوضات التهدئة أو الاستعداد للمرحلة القادمة.
إذن نحن أمام واحدة من مراحل التطور في أزمة غزة التي تعكس استمرار التعقيدات القائمة أمام حلها نهائياً في المدى القريب، وفي رأيي أن المجتمع الدولي مطالب الآن بأن يحدد خريطتي طريق أحدهما عاجلة لإيقاف حرب الإبادة تماماً، والثانية آجلة تركز على مرحلة ما بعد انتهاء الحرب حتى لا نفاجأ بأننا خرجنا من كارثة الحرب وانزلقنا إلى أزمة ما بعد الحرب.
الخلاصة أنه بات من الضرورى أن يكون هناك دعم أمريكي ودولي للتحرك المصري وللأطراف العربية التي تتحرك مع مصر، بالإضافة إلى بعض المرونة الواجبة من أطراف المشكلة حتى نصل أولاً إلى مرحلة تسكين هذه الأزمة أملاً في أن نركز مستقبلاً على معالجة القضية الفلسطينية وهي الأهم رغم الصعوبات التي سوف نواجهها ونحن نتعامل معها، إلا أن قناعتي الكاملة تتمثل في أن التحرك قد يكون متاحاً نسبياً الآن ولكنه قد يصبح مستحيلاً في مرحلة تالية.
("الأهرام") المصرية