وجهات نظر

هل من خارطة حلّ للأزمة السودانية؟

تشكّل الأزمة السودانية الراهنة أحد مهددات الجوار العربي والأفريقي معًا، ذلك أنّ الموقع الجيوسياسي للسودان كبلد رابط بين شرق وجنوب القارة الإفريقية فضلًا عن إطلالته الطويلة على البحر الأحمر يجعله بلدًا مؤثرًا على جملة من المصالح الإقليمية والدولية، خصوصًا وأنّ البيئة الدولية حاليًا هي بيئة صراعية بامتياز.

هل من خارطة حلّ للأزمة السودانية؟

هذا الواقع للأزمة ربما يفسر طبيعة الفواعل فيها على المستويين الدولي والإقليمي، وبالتأكيد يفسّر الاهتمام العربي بضرورة تحقيق الاستقرار السوداني خصوصًا من جانب كل من القاهرة والرياض، كما أنه بالتأكيد يلقي على المكونات المدنية والعسكرية السودانية في هذه المرحلة مسؤوليات أخلاقية ووطنية ربما تكون غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث للسودان.

طبقًا لتفاعلات المشهد السوداني في الأيام الأخيرة فإنّ مؤتمر دول جوار السودان الذي انعقد في القاهرة قبل أيام شكّل نقلة كيفية في الصراع السوداني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من حالة تدويل سافرة تبنتها منظمة "إيجاد" في مؤتمر عقد بأديس أبابا قبل ثلاثة أيام من مؤتمر القاهرة الذي حضره كل رؤساء دول الجوار السوداني السبع على مستوى القمة، حيث تبلورت مخرجات "إيجاد" في السعي لإقرار حالة حظر طيران على السودان مثيلة لتلك التي تم ممارستها في العراق إبان الحصار عليه، واقتراح تدخل قوات شرق أفريقيا "إيساف" في الصراع الداخلي دون أن يطرح وقتذاك مسألة موافقة السودان، وكذلك طرح تشكيل حكومة منفى خارج السودان.

التنافس الإٍقليمي على السودان ما زال قائمًا، ودعوة مصر إلى "التنسيق بين المبادرات" يتم مقاومتها

الموقف الذي تبلور في اجتماع القاهرة تعامل مع مخرجات "إيجاد" على أنها اتجاه نحو تدويل الأزمة، وكذلك تدخل في الشؤون الداخلية السودانية، حيث تم رفض الاستعانة بقوات "إيساف" بشكل قاطع من جانب كل من الخرطوم والقاهرة، كما تمت الدعوة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية السودانية مع التعهد بالسعي لوقف إطلاق النار خلال ثلاثة أشهر والأهم على الإطلاق هو اعتبار أنّ حل أزمة الحرب في السودان هو مسؤولية مشتركة وأن كل المبادرات العاملة في هذا المجال مطروح تعاونها والتنسيق والتشبيك فيما بينها.

الشاهد أنه في هذه اللحظة ورغم مجهودات مؤتمر دول جوار السودان، يبدو لي أنّ التنافس الإٍقليمي على السودان ما زال قائمًا وأنّ الخطوة التي دعت إليها القاهرة بشأن التنسيق بين المبادرات يتم مقاومتها خصوصًا من كينيا التي هي رئيسة اللجنة الرباعية بمنظمة "إيجاد" وذلك دون موافقة الجيش السوداني على وساطتها في وضع غير مسبوق ولا مقبول في أدبيات الوساطات الدولية، كما أنّ نيروبي لم يتم دعوتها لمؤتمر القاهرة على اعتبار أنها ليست دولة جوار مباشر.

وبطبيعة الحال غني عن القول إنه رغم حضور آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي للقاهرة وبيان القمة الذي صدر عن لقائه بالرئيس السيسي بشأن سد النهضة، فإن الرجل لن يكون بعيدًا عن دعم كينيا في موقفها المناوئ للقاهرة.

في هذا السياق يبدو أنّ وقف الحرب في السودان يتطلّب أمرين، الأول؛ على الصعيد العربي، والثاني؛ على الصعيد الداخلي السوداني.

المطلوب على الصعيد العربي، تهدئة حالة التنافس بين الأطراف الخليجية على السودان باعتبارها منصة أو أداة لنفوذ إقليمي أو فرصة للحصول على موارد، ذلك أنّ الثمن الواقعي لهذه الحالة هو حياة البشر السودانيين وكشف ستر بيوتهم، كما أنّ الحصول على الموارد ممكن عبر سلطات شرعية للبلاد توفر أمن العباد.

في هذا السياق يبدو التنسيق بين مبادرتي جدة والقاهرة مطلوبًا وبإلحاح، فالبلدان الراعيان لهاتين المنصتين يملكان رؤى متقاربة إلى حد بعيد، ولعل هذا التنسيق يجعل الفاعل الأمريكي محدود القدرة على تدويل الأزمة السودانية عبر منصة "إيجاد" سعيًا لأغراض مرتبطة بصراعه مع روسيا.

على حميدتي القبول بدمج قواته تحت سيطرة الجيش، وعلى البرهان عدم المراوغة في تسليم السلطة للمدنيين

وربما يكون على الرياض تحديدًا مسؤولية نتطلع إليها للقيام بها فيما يتعلق بتحجيم الأداء الكيني الذي يبدو جامحًا، وفيما يتعلق أيضًا بدعم مجهودات دول جوار السودان على اعتبار أنه مجهود جماعي أفريقي قبل أي شيء، من المطلوب أن يكون باكورة تفاهم عربي أفريقي ليس في السودان فقط ولكن ربما في كل من شرق ووسط أفريقيا، وربما دول حوض النيل وذلك كعتبة أولى.

ويبدو لي أنّ ممارسات وانحيازات الأطراف السودانية الداخلية حاسمة فيما يتعلق بالقدرة على وقف الحرب من ناحية، والقدرة على استئناف العملية السياسية بما يضمن تولي المدنيين السلطة، بالتوازي مع القدرة على استراداد عافية الدولة وأدوات استقرارها ببلورة جيش مهني واحد، فعلى الصعيد العسكري مطلوب وقف إطلاق النار والوصول إلى تفاهم يكون مؤداه تكوين جيش واحد بعيد عن تولي السلطة التنفيذية، وهذا يتطلب أن يكون كل من البرهان وحميدتي متحليين بمسؤولية وطنية، وأن يقبل حميدتي بدمج قواته فورًا في القوات المسلحة السودانية تحت سيطرة قيادة الجيش، فربما يمحو ذلك حالة هتك الستر التي مارستها قواته لجموع السودانيين، ومطلوب من البرهان في المقابل عدم المراوغة في مسألة تسليم السلطة للمدنيين، أما المكوّن المدني فربما يتطلب الأمر مقالًا منفصلًا لنرى ماذا يستطيع أن يقدّم من أجل وقف الحرب واستقرار السودان متجنبًا أن يكون أداةً للأطراف الخارجية ربما دون وعي أو إدراك. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن