بصمات

للفلسطينيين حقوقهم على العالم

تتوّج قرارات محكمة العدل الدولية مسارًا من الكوارث، التي ارتكبتها إسرائيل لعقود من السنين بحق الفلسطينيين، الذين يتكبدون أكبر الخسائر على الإطلاق منذ نشأة المشروع الصهيوني، الذي وصل إلى طريق مسدود بعد أن نجح في خلق كل هذه الفوضى العالمية.

للفلسطينيين حقوقهم على العالم

تشكل القرارات القانونية والتدابير الأخيرة معضلة حيقيقة للكيان المحتل، ترجمةً لخيبات الأمل العالمية من إصرار حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة على مواصلة تحدي العالم بتوسعة نطاق الحرب (لا تقتصر على غزّة وحدها).

لم تكن مخاوف العالم معزولة عن مشروع توسعي إسرائيلي، ناشط في محو الفلسطينيين في تطهير عرقي وحرب توحشيّة، وكانت النتيجة التي يواجهها الإسرائيليون والفسطينيون اليوم، تفاقم العوامل التي من شأنها أن تشكل أداة إعاقة أمام السلام في منطقة الشرق الأوسط. أكثر من ذلك قد يعرّض السلوك الإسرائيلي الهمجي في حرب غزّة اليهود في مختلف أنحاء العالم للخطر بسبب تأجيج مشاعر الكراهية مع تحوّلات ومتغيّرات المزاج العالمي، الذي ما عاد بغالبيته متواطئًا مع حرب يخوضها بعض قادة إسرائيل وتؤدي الى إبادات جماعية. فالعالم لا يستطيع أن يدفع ثمنًا أخلاقيًا واستراتيجيًا خطيرًا لدوره في هذه الكارثة الإنسانية.

صبر العالم بدأ ينفد أمام مظاهر من علامات الجنون والبربرية عند القادة الإسرائيليين

إنّ فكرة إعطاء الأميركيين والعالم المتمدّن الضوء الأخضر لمثل هذه الحرب المجنونة، صارت غير مرجحة مع تدابير واجراءات زاجرة اتخذتها أكبر المؤسسات الدولية القانونية، ومحورها المادة التاسعة من ميثاق الأمم المتحدة، فيما يتعلق بآلية عمل محكمة "العدل" و"الجنائية" الدوليتين، لمقاضاة إسرائيل على جرائمها، لا سيما أنّ قرارات المحكمتين تؤثر على بعضها. ويشعر الإسرائيليون معها بأنّ العالم لن يقوم بعد اليوم بإنقاذهم، اذا لم يسمحوا بأفق سياسي للفلسطينيين، وإذا لم تستحوذ بجدية مطلقة قرارات الطلب على الوقف الفوري للهجوم العسكري على مدينة رفح في قطاع غزّة، وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الانسانية، وكذلك ضمان وصول أي لجنة تحقيق، أو تقصي حقائق بشأن مسألة الإبادة الجماعية.

أحكام غير مسبوقة دوليًا، ستزيد من عزلة إسرائيل، مع قرارات المحكمة الجنائية الدولية الناظرة في الجرائم الإسرائيلية والمكلفة بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ويوآف غالنت وزير دفاعه. كما تأتي بعد إعلان إيرلندا والنروج وإسبانيا اعترافها بالدولة الفلسطينية. ومن غير المرجح أن تحذو الإدارة الأميركية عشية الانتخابات الرئاسية حذو تلك الدول، لكنها أعربت عن قلقها ازاء الكراهية المتزايدة لإسرائيل والسخط الدولي على نتنياهو مع وصول عدد القتلى في غزّة إلى أكثر من 36000 ألفًا.

هذا يعني أنّ صبر العالم بدأ ينفد أمام مظاهر من علامات الجنون والبربرية عند القادة الإسرائيليين، الذين يقاومون كل طلبات العالم التي تشكل عملية وقف الحرب أولوياتها، وما يسمح بالحد الأدنى بدخول المساعدات الإنسانية، ويبلور رغبة بمناقشة خطط "اليوم التالي" لحرب غزّة ، وتخفيف معاناة المدنييين الفلسطينيين، ويؤمن إطلاق سراح جميع الرهائن.

حلقات نارية مقبلة مترابطة قد تعلن نهاية "سايكس - بيكو" نحو مرحلة أخرى مختلفة

لم يعد بوسع زعماء العالم الحريصين على سمعة "الدور" إعطاء إسرائيل هدايا للوصول مباشرة إلى محو الشعب الفلسطيني. فهم العالم متأخرًا النطاق الحقيقي للصراع الذي لم يبدأ بالهجوم الذي شنّته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. بل يتناول حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه بعد فشل كل الجهود الرسمية التي بذلتها الولايات المتحدة الأميركية على التفاوض بشأن حل سلمي لتسوية إقليمية.

يُعلّق خبراء عسكريون وسياسيون بشأن تأثير هذه التدابير الأخيرة على واقع العمليات في غزّة، ويجدونها إجراءات رمزية لن تؤثر في عملية اجتياح رفح. لكن العالم في لحظة يستشعر فيها الغضب من الطريقة التي تنتشر فيها النيران لتعزيز أجندات شخصية، وأخرى مرتبطة بفكرة العودة إلى زمن الامبراطوريات القديمة والبربرية في حلقات نارية مقبلة مترابطة ككل.. قد تعلن عربيًا، نهاية "سايكس - بيكو"، نحو مرحلة أخرى مختلفة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن