بيان قمة المنامة، كان قد طالب بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية في فلسطين المحتلة، وربطت القمة، تواجد تلك القوات بتنفيذ "حلّ الدولتين"، وأكدت المسؤولية التي تقع على عاتق مجلس الأمن الدولي، لاتخاذ ما وصفته بإجراءات واضحة لتنفيذ "حل الدولتين"، وشددت على ضرورة وضع سقف زمني للعملية السياسية وإصدار قرار من المجلس تحت الفصل السابع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من يونيو/حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي تواجد للاحتلال على أرضها، مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزّة.
ووصف دبلوماسي عربي شارك في قمّة المنامة هذا الطرح بأنه "كلام نظري، يصعب جدًا تنفيذه على الأرض"، وقال لـ"عروبة 22": من طالب بإدارج بند الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام على جدول أعمال القمة العربية، هي سلطة رام الله"، متسائلًا: "كيف سيتم عقد المؤتمر ومن سيحضره، ومن سيطبق قرار مجلس الأمن"، وأضاف: "الفكرة هي حماية الفلسطنيين.. هناك العديد من الأفكار المطروحة من عدة أطراف، لكنها غير قابلة للتنفيذ بسبب تواجد وتعنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي".
لكن الحديث عن نشر قوات دولية أو عربية فى غزّة، ليس جديدًا على الإطلاق، بل هو طرح أمريكي وإسرائيلي بالأساس، عاد مجددًا بعد الهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأدى إلى إعادة ملف الحكم الآمن في غزّة إلى جدول الأعمال، على النقيض من تعاملات واشنطن قبل الحرب مع الدولة الفلسطينية باعتبارها عقبة أمام التطبيع الإسرائيلي - العربي.
بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب، تحدثت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزّة، وتردد أنّ إسرائيل وأمريكا درستا ترتيبًا يتم بموجبه منح الإشراف على القطاع لدول من المنطقة، مثل السعودية والإمارات، بدعم من قوات تتبع فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا.
ويتضمن السيناريو الثاني؛ إنشاء قوة لحفظ السلام على غرار مجموعة القوة والمراقبين المتعددة الجنسيات التي تعمل فى شبه جزيرة سيناء وتراقب تنفيذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
أما الخيار الثالث؛ فهو الحكم المؤقت لغزّة تحت مظلة الأمم المتحدة، مما يمنحها الشرعية الدولية، وهو ما تعارضه إسرائيل وتعتبره فكرة غير عملية.
وفي نهاية شهر مارس/آذار الماضي، ناقشت إدارة بايدن، من ضمن الخيارات المتاحة لغزّة ما بعد الحرب، احتمال تمويل قوة لحفظ السلام في القطاع، ضمن سيناريوهات مختلفة للحكم المؤقت والهياكل الأمنية في غزّة.
ومنحت إسرائيل موافقة مبدئية للولايات المتحدة، بشأن نشر القوات، عبر إخطار مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكجورك بالقرار الإسرائيلي، بعد محادثاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وفي محادثاته مع مسؤولين أمريكيين، خلال زيارة إلى واشنطن، بحث غالانت المقترح الخاص بتشكيل قوة متعددة الجنسيات من 3 دول عربية، من دون وجود عسكري أمريكي، في ضوء اعتبارات السياسة الأمريكية.
لكن في الآونة الأخيرة، صدرت تصريحات من أطراف عربية رسمية، ترفض التجاوب مع مطالب إسرائيلية بتولي المسؤولية المباشرة عن إعادة إعمار قطاع غزّة وأمنه بعد الحرب، في مسعى لتهميش دور الأطراف الفلسطينية.
في المقابل، رفض نتنياهو، تسليم قطاع غزّة لقوات دولية، وأبلغ رؤساء المستوطنات الواقعة على الحدود مع غزّة، في أول اجتماع له معهم منذ بداية الحرب، أنّ "قوات الجيش الإسرائيلي ستواصل السيطرة على القطاع بعد الحرب، ولن نسلّمها للقوات الدولية"، في ترديد للرواية الإسرائيلية عن عدم قدرة السلطة الفلسطينية، التي تتخذ من رام الله مقرًا لها، على حكم غزّة بعد الحرب.
يعتقد ديفيد اغناطيوس في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنه رغم كل عيوب هذه السلطة، وكونها غير كفؤة، فإنها توفر أفضل جسر لقوة حفظ السلام الدولية في غزّة بعد الحرب، بدعم عربي.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية، موافقتها على فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب. وناقش البنتاغون نشر قوة لحفظ السلام في غزّة، ولا تتضمن خطط وزارة الدفاع حاليًا خططًا لنشر أي قوات أمريكية في غزّة، لكنها تبحث بدلًا من ذلك في احتمالات إرسال بعثة حفظ سلام متعددة الجنسيات أو بعثة فلسطينية.
لا تفارق فكرة وجود قوات دولية في غزّة مخيّلة الولايات المتحدة وحلفائها، وتضغط واشنطن لمحاولة فرض أمر واقع على مصر تحديدًا حتى تقبل الأخيرة بفكرة وجود قوات متعددة على حدودها مع غزّة، سواء بمشاركة منها أو بغيرها، وقد فسّر أحد المصادر احتلال إسرائيل لمحور صلاح الدين "فيلادلفيا" على أنه آلية لزيادة الضغط على الإدارة المصرية حتى تقبل في النهاية باستبدال القوات الإسرائيلية بأخرى أممية تتحكم في معبر رفح والمنطقة الحدودية وتمنع عودة "حماس" إلى ذلك الشريط الذي تدعي إسرائيل أنه المنفذ الذي تعبر من خلاله الأسلحة إلى القطاع.
(خاص "عروبة 22")