تجدد في نهاية مايو الماضي التحذير من تداعيات الحرب في السودان واستمرار انزلاقه إلى الفوضى، ما يمهد الطريق أمام عودة تنظيم القاعدة، ففي تقرير نشرته مؤسسة (ذوكونفرسيشن) قال الخبير في مكافحة الإرهاب أسان دياني إن عامًا من الحرب الوحشية أغرق البلد الحيوي في نوع من الفوضى التي تزدهر فيها الجماعات الإرهابية.

شدد دياني على أن خطر اكتساب تنظيم القاعدة الأراضي في السودان أصبح الآن حقيقيًا للغاية، ما يُعرض البلاد بل والأمن الإقليمي والعالمي للخطر المُحدِق، مُذكرًا بما عرضناه في السابق بشأن الكتاب المُفصَل الذي أصدره القيادي بالتنظيم أبو حذيفة السوداني في أكتوبر 2022 بعنوان (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان)، مخططًا لمشروع زرع بذور تنظيمه الإرهابي في تربة الدمار والفوضى السودانية.

لا يُوجد في السودان تنظيم للقاعدة كما في الصومال واليمن أو بعض دول إفريقيا، ولا يحظى بمنظومة عسكرية أو قائد رمز أو أمير مُبايِع لقيادة التنظيم، لكن قد لا يستمر الحال على ما كان عليه قبل 15 أبريل 2023 بالنظر للدخول في سيناريوهات الفوضى، خاصة إذا طال هذا الصراع لفترات زمنية ممتدة؛ حيث تستغل تلك التنظيمات أحوال الاقتتال الداخلي وانشغال الجيوش والأجهزة الأمنية بملفات أخرى غير ملف الإرهاب كما تستغل الفراغ السياسي أو انهيار الدولة وتفكيك الجيش.

هناك حوافز تاريخية للقاعدة في السودان منها التحالف الذي جمع بين مؤسسه أسامة بن لادن ورموز سودانية وازنة مثل حسن الترابي، وبمقتضاه ساعد بن لادن في الحرب ضد (الأفارقة المسيحيين) في الجنوب وأقام بعض المشروعات، مقابل السماح له باتخاذ السودان مركزًا لعمليات تنظيمه في جميع أنحاء العالم، ولذلك صنفت الولايات المتحدة السودان دولة راعية للإرهاب عام 1993.

تمثل الأوضاع الحالية حافزًا للقاعدة الذي يطمع في التمركز داخل موقع جيوسياسي مهم يربط بين إقليمين إفريقيين بالغي الهشاشة وهما إقليما شرق وغرب السودان، علاوة على التمدد في منطقة شرق القارة وربطها بغربها والحصول على موطئ قدم على البحر الأحمر، وفتح ممر من البحر إلى المحيط الأطلسي، ما يمكنه من استهداف حركة التجارة والملاحة الدولية وتهديد الدول المُشاطِئة لهذه الممرات المائية واستغلالها لنقل الأسلحة والأفراد والتجارة غير المشروعة وفرض الإتاوات على السفن.

تتضاعف فرص القاعدة في السودان بالنظر لوقوعه ضمن حزام إقليمي مفخخ يلعب فيه التنظيم أدوارًا كبيرة خاصة خلال العقد الأخير عقب انتشاره في مالي ودول الساحل الإفريقي الخمس، علاوة على تمركزاته بالصومال وليبيا، ولا يخفى ما يمثله السودان بثرواته الزراعية ومعادنه وموقعه الجغرافي الحيوي لأفرع القاعدة النافذة بدول شرق وغرب إفريقيا، خاصة إذا علمنا أن شبكات التنظيم في اليمن وإفريقيا تنسق بين بعضها، وتتقاسم الموارد بمنطقة الساحل إلى الغرب من السودان، وهو ما يجعل ضم السودان هذا الفضاء الجغرافي هدفًا حيويًا للتنظيم الإرهابي الناشط حاليًا ضمن محور إقليمي.

خلال الصراعات السابقة خاصة من عام 2006 إلى 2009 فشل القاعدة في إيجاد أرضية له بالسودان، لكن هذه المرة مختلفة لأن تعطيل المسار الانتقالي واستمرار الصراع العبثي قد يؤدي إلى تقسيم البلاد ويمهد لتوالد أجسام عسكرية غير نظامية ويترك فراغًا في السلطة بمساحات شاسعة وهو ما يقوي فرص القاعدة لتحقيق ما عجز عنه سابقًا، فهل يفيق المتحاربون بلا أفق ويوقفون الاقتتال وينقذون البلاد، قبل أن يفتحوا التلفاز ذات مرة على نبأ تأسيس (إمارة القاعدة في وادى النيل) مقرونًا ببيانها الأول، وفقًا لخطط أبو حذيفة السوداني؟.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن