عاد المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، الذي خفّ بريقه نسبياً بعد الحرب الإسرائيلية والضربات الأميركية على إيران، الشهر الماضي، وتوسيع حرب التجويع على قطاع غزة، ليؤكد أن الزخم الديبلوماسي الأميركي في سبيله إلى إثبات حضوره مجدداً، على قاعدة أن الرئيس دونالد ترامب هو "شرطي العالم" الذي "سيجلب النظام والاستقرار".
بث ويتكوف، في المقابلة التي أجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" الأميركية للتلفزيون، الأحد، أجواء مفعمة بالتفاؤل، من عودة مفاوضات وقف النار في غزة إلى مسارها إلى توقعه انضمام عشر دول عربية أخرى للاتفاقات الإبراهيمية، إلى تراجع التوتر الأخير في سوريا، إضافة إلى أن المفاوضات مع إيران ستعود إلى مسارها.
الرسالة التي أراد ويتكوف إيصالها هي أن أميركا لا تزال تمسك بالزمام في الشرق الأوسط، وأن ما بدا انهياراً في الاستراتيجية الأميركية عقب الهجمات على إيران، والأحداث الدامية في محافظة السويداء السورية، وردّ إسرائيل بهجمات، رسم مجدداً خطوطها الحمر في سوريا الجديدة، وما بدا من مراوحة للوضع في لبنان.
في الأيام الأخيرة، سعت أوروبا إلى البناء على ما لمسته من اختلال في المقاربات الأميركية في المنطقة، فأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين على هامش أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل، بينما بدأ في نيويورك أمس مؤتمر تترأسه فرنسا والسعودية للبحث في حل الدولتين، الذي اعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوهلة أنه دُفن تحت ركام غزة.
صحيح أن ترامب استخفّ بالاعتراف الفرنسي المحتمل بدولة فلسطين بقوله "لن يكون له وزن"، لكن ماكرون ألقى حجراً في مياه الديبلوماسية الراكدة أمام أهوال الحروب الإسرائيلية، التي مضى عليها 21 شهراً. ودفع الموقف الفرنسي الديبلوماسية الأميركية إلى التحرك مجدداً، بعدما كان ويتكوف نفسه أعلن الخميس انسحابه من مفاوضات غزة.
وتحرك المبعوث الأميركي إلى بلاد الشام توم برّاك، لإعادة إحياء المفاوضات على المسار السوري، فكان اللقاء الذي عقد بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في باريس الخميس، لنزع فتيل التوتر الذي نجم عن أحداث السويداء، والمضي نحو اتفاق أمني شامل، من دون استبعاد عقد لقاء بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ونتنياهو في نيويورك خلال الدورة العادية للجمعية العامة. يتطابق هذا الاحتمال مع توقعات ويتكوف حيال توسيع الاتفاقات الإبراهيمية حتى نهاية السنة.
وفي سوريا أيضاً، تطمح فرنسا كذلك إلى دور في تقريب المواقف بين النظام السوري الجديد وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، في وقت عززت أحداث السويداء الخوف لدى الأقليات. كذلك فإن وفداً من الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا التقى وفداً إيرانياً في إسطنبول الجمعة، في مسعى واضح لإقناع طهران بالعودة إلى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة التي تعطلت بسبب حرب الـ12 يوماً. وعلى رغم من عدم حسم مسألة ما إذا كانت الترويكا ستمضي في طريق إعادة تفعيل العقوبات على إيران، من الآن وحتى نهاية آب/أغسطس المقبل، فإن التواصل مع طهران، يعني أن نافذة الديبلوماسية لم تقفل بالكامل.
أراد ويتكوف تذكير الأوروبيين بأن "ولاية" ترامب لا تقتصر على إعادة ترتيب الشرق الأوسط، بل تمتد أيضاً إلى روسيا وأوكرانيا، وبأن المسار التفاوضي لن يلبث أن يعود بين الدولتين. ولا بد من أن الصورة التفاؤلية التي رسمها ويتكوف تستند أيضاً إلى نجاح "ديبلوماسية الغولف" في اسكوتلندا، في التوصل إلى اتفاق جمركي تاريخي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في وقت أثمرت اتصالات الرئيس الأميركي بقادة تايلاند وكمبوديا عن خفض التصعيد الحدودي بين الجارين الآسيويين.
(النهار اللبنانية)