اقتصاد ومال

"بريكس".. والتطورات داخل التوترات!

في ظلّ العزلة والتوتّرات المُتصاعدةٍ في منطقة الشرق الأوسط، تتّجه إيران إلى مجموعة "بريكس" الناشئة بحثًا عن موطئ قدمٍ ديبلوماسيّ يعزّز موقفها في مواجهة الضغوط الغربية المتصاعدة وسط توتّراتٍ إقليمية، إذ مع انطلاق قمّة "بريكس" في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية 2025، تنضم إيران رسميًا باعتبارها عضوًا جديدًا في التكتّل الطموح. وتمثل مجموعة "بريكس" حاليًا ما يزيد على نصف سكان العالم، و40% من الناتج الاقتصادي العالمي، وتشمل المجموعة حاليًا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر والسعودية والإمارات وإثيوبيا وإيران وإندونيسيا.

منذ تأسيسها عام 2009، سعت "بريكس" إلى تقديم بديلٍ للنظامَيْن المالي والسياسي العالميَيْن المُهَيْمَن عليهما من قبل القوى الغربية، لكنّها ظلّت حتى اليوم أقرب إلى تحالفٍ رمزيّ من كونها كتلة سياسية فاعلة. وتسعى بريكس لملء الفجوة المالية التي تركتها أميركا وحلفاؤها، إذ دعت لإصلاح نظام صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي أبدت فيه أكثر من 30 دولةً اهتمامها بالمشاركة في مجموعة "بريكس" بالعضوية الكاملة أو الشراكة.

انطلقت القمة الـ17، على مدى يومَيْن، على مستوى القادة لدول "بريكس"، وقد حرص عدد من الزعماء على حضورها، فبدأت بتصريحات للرئيس البرازيلي، أعلن فيها سعي "بريكس" للتحدّث باسم الدول النامية، في مواجهة النُّظم المالية العالمية، وعودة سياسات الحماية التجارية. ويعود الأمر للدول الناشئة للدفاع عن نظام التجارة متعدّد الأطراف، وإصلاح هياكل المؤسّسات المالية الدولية، بما في ذلك توزيع جديد لحقوق التصويت، وإنهاء تقليد الإدارة الأوروبية على رأس الصندوق.

دول "بريكس" تمتلك إمكاناتٍ ضخمة ولديها القدرة على تطوير أدوات جديدة في مجالات التمويل وأنظمة الدفع والاستثمار

ويمثّل البيان المشترك لوزراء مالية المجموعة، المرة الأولى التي تتفق فيها دول "بريكس" على موقفٍ موحدٍ بشأن الإصلاحات المقترحة، إذ اتفقوا على دعم الاقتراح المشترك، في اجتماع مراجعة "صندوق النقد الدولي" الذي سيُعقَد في ديسمبر/كانون الأول 2025، والذي سيُناقش التغييرات في نظام الحصص الذي يحدّد المساهمات وحقوق التصويت.

ويدعو زعماء "بريكس" إلى إعادة تنظيم الحصص والمراكز النسبيّة للأعضاء في الاقتصاد العالمي، مع حماية حصص الأعضاء الأكثر فقرًا، والدعوة إلى صياغةٍ جديدةٍ، إذ ينبغي زيادة حصص الدول النامية، والدعوة إلى صيغةٍ جديدةٍ مرجّحةٍ وفق الناتج الاقتصادي والقوة الشرائية، مع الأخذ في الحسبان القيمة النسبية للعملات، والتي ينبغي أن تمثّل بشكلٍ أفضل الدول ذات الدخل المُنخفض، واستخدام العملات الرّقمية في التسويات الثنائية.

وأظهرت التطوّرات أنّ قادة "بريكس" يسعون إلى حماية البيانات من الاستخدام غير المسموح به للذكاء الاصطناعي، لتجنّب الازدواجية في جمع البيانات، وترفض شركات التكنولوجيا الكبرى، التي يقع معظمها في الدول الغنية، الدعوات المُطالِبة بدفع رسوم على حقوق الملكية الفكرية للمواد المستخدمة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

كما أنّ دول "بريكس" تمتلك إمكاناتٍ ضخمةً في مجالات البنية التحتية واللوجيستيات، كما أنّ لديها القدرة على تطوير أدواتٍ جديدةٍ في مجالات التمويل وأنظمة الدفع والاستثمار، إذ بجمع هذه الموارد، يمكن تأسيس منصةٍ قويةٍ ومستدامةٍ للنموّ والتنمية على المستوى العالمي.

تحدّيات وخلافات فكرية داخل "بريكس" والصين لا تتوقع أي تقدّم يُذكر في قمّة هذا العام

وتُواصل مجموعة "بريكس" انتقاداتها غير المباشرة لسياسة دونالد ترامب الجمركية، وتعبّر عن قلقها إزاء الإجراءات الحمائية الأحادية غير المبرَّرة، بما في ذلك الزيادة العشوائية للرسوم الجمركية المتبادلة، والدعوة إلى تكثيف التعاون في المجالات كافّة، من بينها الموارد الطبيعية والخدمات اللوجيستية والتجارة والتمويل.

وهناك تحدّيات وخلافات فكرية داخل "بريكس"، حيث قد لا تتوقع الصين أي تقدّم يُذكر في قمّة هذا العام. ومن جهةٍ ثانية، توقّف محللون أمام تهديد الرئيس الأميركي، بفرض رسومٍ جمركيةٍ إضافيةٍ على أي دولة تدعم سياسات مجموعة "بريكس"، إذ إنّ أميركا تتوعّد أي دولة تؤيّد سياسات المجموعة، بأنها ستفرض عليها رسومًا جمركية إضافية بنسبة10 %، مع الرسوم الجمركية البالغة 30%.

في الختام، وفي خضمّ هذه العملية، أضعفت المجموعة تماسكها ككِيان يقدم بديلًا إيديولوجيًا للرأسمالية، بحيث تقف الصين الآن بحزمٍ إلى جانب روسيا في طرح بدائل للدولار والمؤسّسات المالية التي تقودها أميركا وحلفاؤها، بينما خفف الحذر من جانب أعضاء رئيسيين آخرين في "بريكس"، مثل الهند والبرازيل، من المضي قدمًا مع إبداء تحفّظات بشأن الجوانب العملية والآثار الجيوسياسية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن