لبنان وإسرائيل.. حروب مستمرة

هل يتحول التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله إلى حرب موسعة؟ .. سؤال الساعة الذي يطرح نفسه بقوة، ويثير لغطا كبيرا داخل لبنان وداخل إسرائيل وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وتتسارع الجهود والخطى والوساطات لمنع الوصول إلى حرب موسعة على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، وخاصة أنها قد تؤدي إلى حرب إقليمية تشارك فيها بشكل مباشر وفعال المجموعات المسلحة الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن، بل ومقاتلون من بعض دول جنوب شرق آسيا الذين ينتمون إلى تنظيمات إسلامية مسلحة.

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة عقب عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وحزب الله يعلن مساندته للمقاومة الفلسطينية بتسخين الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، ويبدأ منذ الثامن من أكتوبر في إطلاق القذائف على شمال إسرائيل، لكنه حرص لفترة طويلة على عدم تجاوز قواعد الاشتباك بين الجانبين قبل أن يتصاعد الأمر ولكن بشكل لا يؤدي إلى حرب موسعة أيضا. ويذكر مركز مالكوم كير ـ كارينجى للشرق الأوسط في تقرير له في شهر فبراير الماضي، أن الصراع بين حزب الله وإسرائيل سيؤدي في النهاية إلى إرساء ترتيبات جديدة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية قد تغيّر الوضع القائم المناسب الذي كان مفيدا للحزب قبل السابع من أكتوبر، وهو ما انعكس من خلال استخدام الأمين العام للحزب حسن نصر الله، خلال الأسابيع التي تلت الهجمات، مفردات ترمي إلى خفض التصعيد وتظهر رغبةً قوية في تجنّب الأسوأ.

بينما تعمدت إسرائيل تصعيد موقفها قولا وفعلا، فوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت كرر أكثر من مرة القول أن إسرائيل لن توقف قصفها على الحدود مع لبنان حتى لو توصّلت إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، متوعّدًا بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، بينما استخدم الجيش الإسرائيلي أسلوب الاغتيالات لقيادات فلسطينية وكوادر من حزب الله، بشكل دقيق أثار الدهشة والتساؤلات عن الاختراق الأمني الإسرائيلي للحزب ولجنوب لبنان علاوة على استخدامها أحدث الوسائل التكنولوجية في اختراق كاميرات المراقبة اللبنانية العادية الموجودة في كثير من الشوارع والمحال والمنازل بالجنوب لتتبع الشخصيات المستهدفة مما جعل الحزب ينبه بضرورة نزع هذه الكاميرات أو وقفها عن العمل.

لكن لا يمكن أيضًا استبعاد الحرب البرية بالكامل بعد انتهاء حرب غزة، لأن إسرائيل سوف تحتاج إلى إعادة سكان الجليل الذين تم إجلاؤهم من منازلهم إلى المنطقة الحدودية الشمالية، فهم يخشون من العودة بسبب وجود حزب الله على مسافة قريبة، كما نزح أيضًا عشرات الآلاف من اللبنانيين بسبب الهجمات الإسرائيلية ويريدون أيضا العودة إلى قراهم، وما لم تحصل إسرائيل على ضمانات تسمح لها بإعادة سكان المنطقة الشمالية إلى منازلهم، فلن تملك أي حافز لجعل حياة اللبنانيين الراغبين في العودة إلى قراهم مُحتملة، وهذا قد يدفع حزب الله إلى تقديم تنازلات.

وقد قدم المبعوث الأمريكي آموس هوكستين عرضا لتشجيع حزب الله على الانسحاب من الحدود، فبدلًا من أن يطلب من الحزب الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، على بعد 30 كيلومترا تقريبا من الحدود تنفيذا للقرار 1701، اقترح تراجع مقاتلي حزب الله مسافة سبعة كيلومترات من الحدود، لكن حزب الله ما زال يبحث عن صفقة متكاملة ولن يتحدث عنها بشكل فعلي إلا مع وجود مفاوضات جادة عقب وقف إطلاق النار في غزة.

في الوقت نفسه تتزايد التحذيرات في إسرائيل من توسعة الحرب مع لبنان وترتفع الأصوات الداعية إلى التوصل إلى تسوية تُجنّب الإسرائيليين آثار الحرب عليهم وما تلحقه من إصابات بشرية، وأضرار مادية وان هذه الحرب قد تلحق ضررا واسعًا بشبكة الكهرباء في إسرائيل مع ما يمثله ذلك من خطر داهم على أسلوب حياد الإسرائيليين، ورغم ذلك يرى مراقبون كثر أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ربما يسعى بشكل شخصي إلى حرب واسعة مع حزب الله في لبنان، للتغطية على فشله في غزة وكوسيلة قد تساعده على إنقاذ مستقبله السياسي.

والحقيقة أن الحروب الإسرائيلية ضد لبنان ممتدة منذ عقود، بدأت بعملية الليطاني التي شنتها في مارس 1978، بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وإقامة منطقة عازلة، وذلك ردا على العملية التي قادتها المناضلة الفلسطينية دلال المغربي بالسيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست، والتي قامت فرقة إسرائيلية خاصة بقيادة إيهود باراك بإفشالها عبر إيقاف الحافلة والقضاء على الفدائيين أو اعتقالهم، وفي أعقاب عملية الليطاني، أقامت إسرائيل منطقة أمنية في جنوب لبنان لتكون حاجزاً ضد الهجمات المستقبلية، وظلت هذه المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية لسنوات عديدة، وتم إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) للمساعدة في استعادة السلم والأمن في المنطقة.

ومع عودة الاشتباكات مرة أخرى للحدود اللبنانية الإسرائيلية كررت إسرائيل غزوها للجنوب في يونيو 1981، وبشكل أوسع خلال عملية «سلام الجليل» في عام 1982، ثم تعرض لبنان في يوليو عام 2006 لحرب إسرائيلية مدمّرة، عرّضت البنى التحتية لدمار هائل، انتهت مع صدور القرار الأممي رقم 1701، الذي نص على إنهاء العمليات القتالية وإضافة 15 ألف جندي لقوة حفظ السلام الدولية (يونيفيل)، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأزرق الحدودي، وانسحاب مقاتلي حزب الله إلى شمالي نهر الليطاني، ولم يتم تنفيذ هذا القرار بالكامل حتى اليوم.

ورغم التصعيد العسكرى الإسرائيلي المستمر الآن، فإن شن إسرائيل حربا واسعة على لبنان أمر ما زال بعيدا عن التحقق، وقد يكون هناك تصعيد موسع لا يصل للحرب الشاملة.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن