في ديسمبر عام 2022 - بعد حصول معسكر حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو على 64 مقعدا من أصل 120 في الكنيست الاسرائيلي - تم تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل والتي تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية، علما بأن 38 من الداعمين للحكومة الجديدة ينتمون الى اليمين الديني المتطرف، و14 منهم يقطنون المستوطنات بالضفة الغربية. ولذلك فإن حكومة نتنياهو الحالية تعبر عن رؤية اليمين المتطرف، خاصة تجاه العرب، وهي تعكس التيار الديني الصهيوني المتطرف الذي يشدد على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، فضلا عن تعزيز دخول جماعات يهودية إلى باحات المسجد الأقصى.
ومنذ أداء حكومة نتنياهو اليمين القانونية في 29 ديسمبر 2022 واجهت عدة أزمات داخلية متتالية أكثرها حدة هي ما سميت بالإصلاحات القضائية، حيث سعى نتنياهو لتقليص نفوذ المحكمة العليا الإسرائيلية مما فجر موجة احتجاجات في الشارع الاسرائيلي استمرّت عدة شهور وشارك فيها مئات الآلاف من الإسرائيليين ، كما أعلن - لأول مرة - مئات من ضباط الاحتياط رفضهم الخدمة في حال مضت الحكومة في خططها للحد من قوة المحكمة العليا، مما دفعه مرغما إلى تعليق التشريعات في الكنيست بشكل مؤقت.
كذلك خرجت الأزمة الشخصية بين نتنياهو والرئيس الامريكي جو بايدن إلى العلن عندما رفض استقبال نتنياهو بالبيت الأبيض، فضلا عن الخلاف بينهما بشأن حل الدولتين، والاستيطان في الأراضى الفلسطينية والملف النووي الإيراني، والانزعاج الأمريكي من التعديلات القضائية التي أصرّ عليها.
يضاف إلى هذه الأزمات العنف تجاه المصلين الفلسطينيين في الحرم القدسي في رمضان الماضي 2023 بسبب الاستفزازات الاسرائيلية، واتباع كل من بن غفير وزير الأمن القومي المتطرف وسموتريتش وزير المالية سياسات متشددة ضد الفلسطينيين وداعمة للاستيطان، مما أحبط مخططات نتنياهو لتوسيع عملية التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية.
ثم جاءت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 لتزيد من أزمات الحكومة الاسرائيلية حيث أصبحت السهام في الداخل الاسرائيلي وخارجياً ايضا توجه نحو رئيس الحكومة كعامل لكسر الوحدة خلال الحرب، والفشل في تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية أو تحرير الرهائن عن طريق الحرب أو القضاء على المقاومة الفلسطينية. كما أنها زادت الهوة بين مكونات الكيان الاسرائيلي، وزادت من التفكك بين المعسكرين العلماني والمتدين ومن الارتباك الداخلي، وأدّت الى رفض عالمي لجرائمها الوحشية في الإبادة الجماعية وسياسات العقاب الجماعي وسلاح التجويع والترويع وجرائم الحرب ضد المدنيين العزل، ومحاولات التهجير القسري، وهي كلها جرائم مخالفة للقانون الدولي الإنساني وجميع الأعراف الدولية، والتي ترتب عليها قتل حوالى 37 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، مما جعل كثيرا من الدول الغربية الداعمة لإسرائيل - بما فيها الإدارة الأمريكية- تغير مواقفها استجابة للدعم الشعبي غير المسبوق للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم.
وفي خضم كل هذه الأزمات، جاءت أزمة جديدة وهي أزمة الحريديم، وهم اليهود الارثوذكس المتدينون المتشددون وتبلغ نسبتهم حوالى 13% من السكان في إسرائيل ومع ذلك فلهم نفوذ كبير، وهم يتخذون موقفا راديكاليا من الصهيونية ومن الدولة ويقاطعون مدارسها ومعظم مؤسساتها وإعلامها وجيشها. ورغم إعفاء الحريديم من التجنيد منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، ولكن في 2024 - نظرا لظروف الحرب والحاجة الى الجنود - أراد نتنياهو إصدار قرار من المحكمة العليا يقضي بتجنيدهم مثل بقية الاسرائيليين مما أثار موجة غضب شديدة بين صفوف الحريديم وحدوث اشتباكات مع الشرطة، وتهديد الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل يتسحاق يوسف بمغادرة اليهود المتدينين البلاد إذا أجبروا على الخدمة العسكرية. ثم جاءت بعد ذلك استقالة بيني جانتس من حكومة الحرب لتعمق أزمات حكومة نتنياهو, وذلك على خلفية عدم تقديم نتنياهو إستراتيجية واضحة للحرب على غزة وأيضا خطته لليوم التالي للحرب.
ولا شك أن تطور المشهد السياسي والعسكري الاسرائيلي في الشهور الماضية والعجز عن تحقيق أي من أهداف الحرب على غزة باستثناء تحرير الرهائن الأربع بعد ثمانية شهور من الحرب، فضلا عن احتمال صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف نتنياهو وأحد وزرائه بوصفهما مجرمي حرب، والموقف الدولي والإقليمي الرافض لسياساته، خاصة الرأي العام العالمي الذي ازداد عداءً له ولحكومته بعد مقتل 274 من المدنيين الفلسطينيين أثناء تحرير الرهائن الأربع معظمهم من الأطفال، والحراك الداخلي ضد حكومته منذ تشكيلها والذي ازداد بعجزه عن تحرير الرهائن طوال هذه الشهور والتي تعتبر ورقة الضغط الأقوى حيث ما زال لدى حماس 120 من الرهائن، فمن المتوقع أن تسقط حكومة نتنياهو ان لم يكن عاجلا فآجلا.
("الأهرام") المصرية