صحافة

الغرب والديمقراطية فى الشرق الأوسط

وليد محمود عبد الناصر

المشاركة
الغرب والديمقراطية فى الشرق الأوسط

لا شك أن موضوع علاقة الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، بالمسألة الديمقراطية في بلدان منطقة الشرق الأوسط هو من الموضوعات التي حظيت، ولا تزال تحظى، بالكثير من الاهتمام من جانب علماء وأساتذة العلوم السياسية عبر العالم، خاصة من البلدان العربية وبقية بلدان الشرق الأوسط مثل إيران وتركيا، وكذلك من البلدان الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنه موضوع متجدد الدلالة والأهمية. ولذا فمن غير المستغرب أن يكون موضوع آخر كتب عالم السياسة الأمريكي، اللبناني الأصل، الدكتور فواز جرجس، والذي صدر منذ أيام قليلة، هو تلك العلاقة الملتبسة والمليئة بالمحطات والمطبات الهامة في علاقة الغرب بجهود جرت في فترات سابقة لبناء الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط.

ويعالج الدكتور فواز جرجس الموضوع من منظور المواقف والسياسات الغربية، خاصة الأمريكية، تجاه دولتين تنتميان إلى منطقة الشرق الأوسط في حقبتين محددتين من التاريخ المعاصر، إحداهما دولة عربية والأخرى دولة غير عربية، وهما تحديدا مصر في ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإيران في عهد رئيس الوزراء الراحل الدكتور محمد مصدق.

ويمكن القول إن الاختيار جاء موفقا من حيث دراسة الحالة الواردة في الكتاب لكل من مصر وإيران لعدة أسباب، أولها أن الدولتين، مصر وإيران، دولتان مركزيتان في منطقة الشرق الأوسط، وثانيها أن الدولتين لهما باع طويل في علاقاتهما مع الغرب بشكل عام ومع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، أما ثالث الأسباب فهي اختلاف طبيعة التدخل الغربي، وخاصة الأمريكي، بين الحالتين، ورابعها هو الاختلاف الجذري بين حالة نظام الحكم في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحالة النظام السياسي في إيران في عهد رئيس الوزراء الراحل الدكتور محمد مصدق.

أما عن السبب الأول فهو أنه تاريخيا، وعلى مدار العصور، فمصر وإيران ليستا فقط دولتين محوريتين في الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي ككل، بل إن كلتيهما تنتميان إلى بلدان حضارات العالم القديم التي ساهمت بدور كبير وعلى مر عقود، بل وقرون، عديدة، في المساهمة في صياغة وتطوير الحضارة الإنسانية العالمية، واستفادت منهما كثيرا الحضارة الغربية الحديثة.

أما عن السبب الثاني المتعلق بتاريخية العلاقة بين كل من مصر وإيران بالغرب بشكل عام وبالولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص، فإنه ينطلق من حقائق عمق تلك العلاقة، فالغرب أطل على مصر وجعلها بدورها تطل على الحضارة الغربية الحديثة من خلال نافذة الحملة الفرنسية على مصر في عام 1789، ومن بعدها وبعد فترة استقرار ومشروع نهضة لم يكتمل في عهد محمد على باشا وخلفائه، وقعت تحت الاحتلال البريطاني في عام 1882، أما الغرب فهو الذي كان يتعامل مع الأسر المتعاقبة على حكم الإمبراطورية الإيرانية سواء في عهد الأسرة الصفوية أو القاجارية أو البهلوية، ويوازن بين علاقاته معها وبين علاقاته مع الدولة العثمانية، كما كان الغرب الضامن لسلامة ووحدة أراضي إيران في مواجهة أطماع دول جارة أو قريبة جغرافيا، وهو ما برز بشكل واضح خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وربما كمن الاختلاف بين الحالتين في أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الطرف الغربى الرئيسي المتعامل مع إيران نيابة عن الغرب منذ انتصار الثورة البلشفية في روسيا، بينما جاءت الولايات المتحدة كطرف غربى رئيسي في التعامل مع مصر متأخرا بعض الشيء، باعتبار مصر كانت تقع ضمن منطقة نفوذ بريطاني.

وإذا انتقلنا إلى السبب الثالث المذكور فيما سبق فهو تشابه التعامل الغربي، خاصة الأمريكي، مع الدولتين في الحقبتين التاريخيتين المذكورتين. فالخلاصة هي أن ذلك النمط من التعامل الغربي مع ايران مصدق أو مصر عبد الناصر لم يكن ضمن أولوياته الفعلية على الأرض في أي مرحلة المساعدة على بناء نظام ديمقراطي حقيقي في البلدين، فالاستخلاصات المستفادة من تحليل تعامل الغرب مع الدولتين في الحالتين أن المستهدف كان إما تحقيق مصالح غربية أو الحفاظ على المصالح الغربية القائمة في الدولتين، ولم تكن المسألة الديمقراطية تحتل أي مكانة متقدمة في سلم أولويات السياسة الغربية، وتحديدا الأمريكية، في تلك الحالات، حتى ولو كان المعلن آنذاك من جانب الحكومات الغربية والإدارة الأمريكية بخلاف ذلك.

وفي حالة مصر الناصرية كان الهدف ربط مصر بشبكة الأحلاف الغربية في المنطقة عقب أعقاب الجلاء البريطاني عن مصر طبقا لاتفاقية الجلاء في أكتوبر 1954، وبما يدخل في إطار المواجهة الغربية الشرقية في زمن الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن كان هناك هدف آخر وهو تأمين وجود واستمرار وأمن إسرائيل.

أما في الحالة الإيرانية، فكان الهدف أيضا إدماج إيران في أحلاف موالية للغرب ومناهضة للاتحاد السوفيتي السابق، القريب من إيران جغرافيا، والكتلة الاشتراكية آنذاك في إطار الحرب الباردة، مثل الحالة المصرية، ولكن يضاف إليها في الحالة الإيرانية هدف الحرص على تأمين السيطرة على النفط الإيراني وضمان إمداداته للغرب وحلفائه.

وإذا انتقلنا إلى السبب الرابع لأهمية موضوع الكتاب وكيفية تناوله من جانب مؤلفه الدكتور فواز جرجس، نجد أن النظامين السياسيين لمصر ولإيران في الفترة التي يعالج أحداثها كانا مختلفين بشكل جذرى.

وإذا بدأنا بإيران نجد أن النظام السياسي الإيراني كان من المفترض أنه ملكية دستورية، ولكن في واقع الأمر كان الامبراطور يسعى إلى أن يملك ويحكم معا وليس فقط يملك ولا يحكم كما هو حال الملكيات الدستورية في أوروبا مثلاً، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما كان هناك برلمان يخضع لانتخابات حرة في أغلب معالمها ويفرز حكومة أغلبية، وهذه الحكومة هي التي كان يرأسها الدكتور محمد مصدق في ذلك الوقت، وهو زعيم الحزب السياسي الأكبر والأهم والأكثر شعبية آنذاك في إيران وهو حزب "الجبهة الوطنية"، وهو الذي جمع بين توجهات وطنية وديمقراطية وشبه علمانية.

وعلى الجانب الآخر، كان النظام السياسي المصري في الحقبة الناصرية يتصف بأنه نظام رئاسي قام بحل الأحزاب السياسية منذ عام 1953 واعتمد ما سمي بنظام «التنظيم السياسى الأوحد»، بدءًا بهيئة التحرير، ومرورا بالاتحاد القومي وانتهاء بالاتحاد الاشتراكي العربي، ولا شك أن ذلك النظام السياسي تم توجيه الانتقادات له من عدة جبهات بأنه فشل في تحقيق الهدف السادس من أهداف ثورة 23 يوليو 1952، وهو «إقامة حياة ديمقراطية سليمة».

وبالتالي، كان طبيعة الدور الغربي، خاصة الأمريكي، والتدخل، أو محاولات التدخل، تختلف ما بين حالة والأخرى.

فكان الدور الغربي، خاصة الأمريكي، في الحالة الإيرانية في عهد الدكتور محمد مصدق هو التدخل غير الشرعي والسري عبر الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون، وبدعم من وتنسيق مع بريطانيا، من خلال توظيف العلاقات المتميزة مع قيادات في الجيش الإيراني، سبق أن تلقت تدريبات في بلدان غربية، بدءًا باستخدامها لممارسة ضغوط على وتخويف الدكتور مصدق وحكومته الوطنية، ومروراً بالتلويح بتمرد الجيش ضد رئيس الحكومة المنتخب وعصيان أوامره، ووصولاً إلى دفع تلك القيادات لتنظيم انقلاب عسكري ضد حكومة الدكتور محمد مصدق الديمقراطية في عام 1953، بقيادة الجنرال «زاهدي»، والإطاحة بتلك الحكومة.

وعلى الجانب الآخر، فإن الدور الغربي، خاصة الأمريكي، تجاه مصر، كما يوثقه الكتاب بشكل منهجي سليم، يرصد فيه أن البلدان الغربية، والإدارات الأمريكية المتعاقبة، لم تسع في أي مرحلة خلال الحقبة الناصرية، إلى تشجيع القيادة المصرية على تبني سياسة تؤدي إلى بناء نظام ديمقراطي ليبرالي على نسق ذلك الذي كان موجوداً قبل ثورة 23 يوليو 1952، ولكن بدون نواقص ذلك النظام، من خلال تقديم حوافز للقيادة الناصرية عبر التعاون الاقتصادي أو الدعم العسكري أو غير ذلك من أدوات.

ويرجع المؤلف ذلك السلوك الغربي، خاصة الأمريكي، من خلال ضرب أمثلة محددة، إلى أن الرؤية الغالبة والسائدة لدى الغرب عموماً وواشنطن على وجه الخصوص، كان النظر إلى التطورات في بلدان المنطقة، وبغض النظر عن طبيعة النظم السياسية القائمة، ليس من منظور السعي لبناء الديمقراطية حال عدم وجودها أو الحفاظ عليها حال وجودها، ولكن فقط من خلال المنظور الضيق للحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق وتصنيف كل الحكومات، داخل الشرق الأوسط أو خارجه، من خلال مواقف كل منها إزاء الحرب الباردة ومعسكريها.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن