يعلم نتنياهو أنّ مستقبله السياسي مرهون برأس زعيم حركة "حماس" في غزّة يحيى السنوار، وقائد جناحها المسلّح محمد الضيف، إذ يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنّ نهايته سياسيًا وربما سجنه مرتبطان بشكل أساسي بانتهاء العدوان على القطاع دون إطلاق سراح الأسرى عسكريًا، أو الوصول لرأس أي من الرجلين، السنوار والضيف.
ويعتبر مراقبون أنّ الوصول لخط النهاية في الحرب الدائرة التي باتت تهدد الإقليم بالكامل، سيكون سهلًا حال إزالة أي من العقبتين، وهما إما أن تتمكن الإدارة الأمريكية من الإطاحة بحكومة نتنياهو عبر اتفاقات وتربيطات داخلية، أو الإطاحة برأس السنوار عبر الوصول لمكان تواجده، وهو ما تبذل العديد من أجهزة الاستخبارات الكبرى الحليفة لإسرائيل مجهودًا خارقًا من أجل تحقيقه.
تواجد السنوار على رأس قيادة "حماس" داخل غزّة في الوقت الراهن، بات يمثّل أكثر من معنى، فبخلاف تحوّله إلى أيقونة للمقاومة الفلسطينية، بشكل ربما تجاوز رمزية قائد "كتائب القسام" محمد الضيف، فإنّ تركيبته الشخصية كقائد باتت هي المتحكّمة في إدارة الحرب سواء عسكريًا أو سياسيًا على مائدة التفاوض عبر ممثلي الحركة. إذ يعتبر السنوار بحسب قيادات بارزة في الحركة عبر عدة رسائل واتصالات جرت بينه وبين قيادة "حماس" في الخارج أنّ موقف المقاومة على الأرض لا يزال صلبًا، مع قدرتها على إدارة حرب استنزاف طويلة، وهو ما يعطي للمفاوضين الدعم اللازم للتمسك بالمبادئ الرئيسية التي حددتها المقاومة المتمثلة في الوقف الشامل لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من غزّة، وإعادة إعمار القطاع وتبادل الأسرى.
ويشير قيادي بارز في "حماس" لـ"عروبة 22" إلى أنّ "السنوار صار أكثر تمسكًا بالوصول إلى مشهد انتصار ختامي عبر دفع نتنياهو وحكومته للقبول بـ"وثيقة مكتوبة لاتفاق إنهاء الحرب"، على أن يتم توقيعها من جانب حكومة الاحتلال والولايات المتحدة والوسطاء.
رسائل أميركية متضاربة
خلال الجولة الأخيرة التي أعقبت مبادرة بايدن ولم يعلن عن نهايتها رسميًا، جاءت رسائل المسؤولين الأمريكيين متضاربة، ما يشير ربما إلى فريقين داخل الإدارة الأمريكية، بحيث جاءت تصريحات مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان عقب تسليم "حماس" ردها على الورقة الإسرائيلية المطروحة، لتناقض ما أعلن عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن بخصوص الموضوع نفسه. فقال سوليفان، إنّ التغييرات التي اقترحتها "حماس" على ورقة وقف إطلاق النار "طفيفة ومتوقعة" وإنّ "الولايات المتحدة ستعمل مع مصر وقطر لسد الفجوات في الاقتراح". بينما في المقابل قال بلينكن، إنّ "حماس" اقترحت "عدة تغييرات" في ردها المقترح وإن بعضها قابل للتنفيذ، لكن البعض الآخر ليس كذلك، معتبرًا أنّ الرد "غير مشجع".
ثمة ملاحظة مرتبطة بمسار المفاوضات، متمثلة في أنه كلما فشلت الإدارة الأمريكية في إلزام نتنياهو برؤيتها وأطروحتها وتماديه في التملص من أي استحقاق، علّقت الجرس في رقبة حركة "حماس"، متجهة بعدها نحو الوسطاء وأطراف عربية أخرى لممارسة المزيد من الضغوط على الحركة لدفعها نحو القبول باتفاق وصفه قيادي رفيع المستوى في "حركة الجهاد الإسلامي" بأنه "اتفاق استسلام" إما أن تقبل خلاله المقاومة باستباحة جيش الاحتلال للقطاع وقتما شاء كما يحدث في الضفة الغربية، أو أن تتعرض لإجراءات عقابية المقصود بها في المقام الأول سكان القطاع لاستثارتهم ضد المقاومة.
الضغوط الأمريكية على "حماس" والوسطاء، تأتي رغم مخالفة نتنياهو لمضمون مبادرة بايدن التي جاءت وفق منطوق الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب، وهو المبدأ الذي تطالب به بالأساس حركة "حماس" والمقاومة من خلفها، لكن نتنياهو ضرب عرض الحائط بحديث بايدن، لتقدّم إسرائيل بعدها ورقة للوسطاء تراجعت خلالها عن بنود كانت قد وافقت عليها في السابق، ولا تقود لإنهاء الحرب، إذ حملت سطورها مناورة يحصل من خلالها نتنياهو على الأسرى المدنيين والنساء ليستكمل بعدها الحرب بالشكل الذي يطيل أمد بقائه بعيدًا عن المساءلة السياسية والقضائية لأطول فترة ممكنة.
الحديث عن تمرّد نتنياهو وخروجه عن السيطرة الأمريكية، تكشف عنه الكثير من الأدلة، كان أحدثها إلغاء واشنطن اجتماعًا رفيع المستوى بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين بشأن إيران، كان مقررًا انعقاده الخميس الماضي بحسب موقع "إكسيوس".
وبحسب مسؤولين أمريكيين تحدثا لـ"إكسيوس"، فإنه بعد نشر نتنياهو مقطع فيديو يتهم فيه الولايات المتحدة بحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل، ألغى البيت الأبيض الاجتماع المشار إليه. وقال مسؤولون أمريكيون إنّ الخلاف الجديد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وإدارة الرئيس جو بايدن يعيق الجهود الدبلوماسية الأمريكية الإسرائيلية لتهدئة التوترات على الحدود اللبنانية وتجنب الحرب مع "حزب الله".
رسائل السنوار
أما عن السنوار فإنّ كافة رسائله التي بعث بها من غزّة، عبر قنوات شديدة التأمين والتي كانت بحسب مصادر قيادية بارزة تحدثت لـ"عروبة 22" موجّهة لأكثر من طرف، منها قيادة الحركة بالخارج والمسؤولون المباشرون عن الوساطة في مصر وقطر، فتضمّنت تأكيدًا واضحًا على صلابة موقف المقاومة، وقدرتها على إلحاق خسائر كبيرة في القوات الإسرائيلية، والاستمرار في حرب استنزاف طويلة.
ويكشف قيادي بارز بالحركة عن أنّ تقديرات السنوار، المبنية على رصد دقيق للواقع الميداني وتنسيق بين باقي الفصائل ومحور المقاومة، أنّ غزّة لم يعد لديها الكثير لتخسره على عكس إسرائيل التي لا يزال لديها الكثير لتخسره.
وأكد القيادي البارز بالحركة أنّ إحدى رسائل السنوار تضمّنت تحفيزا للقيادة السياسية التي تتولى عملية التفاوض بقوله "اثبتوا على مواقفكم وتمسكوا بالمبادئ المعلنة، لأنّ مقاومتكم ثابتة في الميدان وموقفها راسخ وتنال يوميًا من العدو.. لا تُظهروا تهاونًا على موائد التفاوض وتحدثوا بلغة المنتصرين.. واعلموا أنّ النصر صبر ساعة".
في المحصلة، يمكن القول بأنّ الوصول لنهاية الحرب مرهون إما بغياب نتنياهو من المشهد أو بقدرة الإدارة الأمريكية لإنفاذ رؤيتها عبر امتلاك آلية تُخضع بها رئيس حكومة الاحتلال، أو نجاح نتنياهو في الوصول لزعيم "حماس" وتقديم رأسه للشارع الإسرائيلي لرسم صورة الانتصار المطلق الذي يروّجه.
(خاص "عروبة 22")