وجهات نظر

"نصف المسافة" إلى ثلاث عواصم عربية

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث في الرابع والعشرين من فبراير/شباط هذه السنة، وتدخل الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزّة شهرها التاسع في السابع من يوليو/تموز من هذه السنة أيضًا، ودخلت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني في الخامس عشر من أبريل/نيسان من هذه السنة كذلك، ولكن الأخيرة هي وحدها التي اشتهرت إعلاميًا بأنها "الحرب المنسية".

عندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مؤتمر في باريس حول الحرب في السودان، قال وهو يدعو للمؤتمر قبل أسابيع إنه يفعل ذلك حتى لا تظل هذه الحرب منسية. ولا أحد يعرف لماذا هي منسية، ولماذا الحربان الأخريان يذكرهما العالم وينشغل بهما ولا ينساهما؟، هل لأنّ الحرب الروسية الأوكرانية بين روسيا والغرب في عمومه، وليست بين روسيا وأوكرانيا في حدودها؟.. هذا جائز.. بل إنّ هذا هو الصحيح، لأنّ الشواهد تقول به منذ إطلاق هذه الحرب.. وهل لأنّ إسرائيل تحديدًا طرف مباشر في الحرب الوحشية على قطاع غزّة؟.. هذا أيضًا بدوره صحيح ولا تخطئه العين المجرّدة.

العقل لا يستسيغ عدوان فريق على فريق آخر داخل دولة واحدة وعلى أرض بلد واحد

تبقى إذنْ الحرب في السودان التي تدور داخل بلد واحد بين فريقين طامحين إلى السلطة وطامعين فيها، لا بين حلف وحلف كما هو الحال في الحالة الروسية الأوكرانية، ولا بين دولة محتلة وشعب يدافع عن أرضه التي جرى احتلالها قبل أكثر من سبعة عقود من الزمان كما في الحالة الإسرائيلية الفلسطينية.

وإذا كان من الجائز أن تعتدي دولة على دولة أخرى جارة، كما حصل من روسيا تجاه الجارة أوكرانيا، أو أن تواصل دولة مثل إسرائيل عدوانها على شعب يريد أراضيه المحتلة، كما جرى ويجري من جانب الدولة العبرية، فإنّ العقل لا يستسيغ عدوان فريق على فريق آخر داخل دولة واحدة وعلى أرض بلد واحد، لا يستسيغه العقل ولا يهضمه، ولا يستطيع أن يستوعب كيف يمكن لفريق سوداني أن يقفز على فريق سوداني آخر، ولا يكتفي بذلك، وإنما تصل الدراما في الموضوع ذروتها عندما نتابع عملية لتسليم الأسرى من فريق إلى الثاني.

وهذه ليست جديدة على كل حال، لأننا تابعنا مثل هذا المشهد العربي الحزين بين الجماعة الحوثية والحكومة اليمنية في بلاد اليمن السعيد، ثم تابعناه مرةً ثانية بين حكومة الشرق وحكومة الغرب في بلد العقيد القذافي.

وما يجعل السودان تختلف عن ليبيا وعن اليمن، أنّ السودان ليس بلدًا عربيًا وفقط، ولكنه بلد أفريقي بالتوازي. وهذا ما يجعله تحت مظلتين إحداهما مظلة جامعة الدول العربية، والأخرى مظلة الاتحاد الأفريقي.

وإلى هذه اللحظة لم تقدّم جامعة الدول للسودان إلا ما قدّمته لليمن وليبيا، وما قدّمته لهما لم يوقف حربًا في البلدين ولا أطفأ نارًا للصراع، وكانت الحصيلة أنّ نار الصراع تأكل الناس في الدول الثلاث، فتدفعهم الى أن يكونوا نازحين داخل البلد نفسه، أو لاجئين منه إلى بلد مجاور، أو مشرّدين في أنحاء الأرض.

لم يعد للسودان أمل سوى في الاتحاد الأفريقي 

ولو أنت قرعت الجرس لعلّ الجامعة تبادر بفعل شيء، فسوف تسمع من أمانتها العامة ما يفيد أنها فعلت ما تستطيعه، وأنّ عينها إذا كانت بصيرة فإنّ يدها قصيرة، وأنّ إرادة الجامعة في الفعل على الأرض تساوي حاصل جمع إرادات الدول الأعضاء، وأنّ ما قدّمته هو أقصى ما يسمح به ميثاقها ويتيحه للأمانة العامة في مقرّها بميدان التحرير.

لم يعد للسودان أمل سوى في الاتحاد، الذي أعلن توجهه نحو تشكيل لجنة برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني تجمع القيادات في الجيش وقوات الدعم السريع في لقاء مباشر، لعل ذلك يوقف هذه المأساه السودانية. ولكن هذا التوجه لا يزال توجهًا ولم يغادر هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى عرفناها في الاتحاد الأوروبي على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط يوم أول مايو/أيار المنقضي.

يومها كانت رئيسة المفوضية الأوروبية في بيروت، وكان معها رئيس قبرص التي تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي، وكان الهدف صد الهجرات غير الشرعية من لبنان عن الجزيرة القبرصية، وكانت الرئيسة والرئيس يتصرفان بشكل عملي، وكان البكاء على رأس الميت كما يقولون.

كم من الوقت سوف نستغرقه لتجد الدول العربية الثلاث يدًا عربية تمتد وتسعف، كما أسعفت يد المفوضية الجزيرة القبرصية؟.. هذا سؤال.. وقد قيل إنّ السؤال الصحيح يقطع نصف المسافة إلى الإجابة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن