قضايا العرب

شواطئ تونس "تغرق" بالتلوّث: كارثة بيئية وصحية!

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

يمتد الشريط الساحلي في تونس على طول 1300 كلم، ولكنه يعاني في السنوات الأخيرة من عدة ملوّثات جعلت حوالى 30 شاطئًا غير صالحة للسباحة، بعضها يعاني مستويات متقدّمة من التلوث باتت تهدد حياة الكائنات البحرية وصحة المتساكنين.

شواطئ تونس

بحسب السلطات التونسية، فإنّ عدد الشواطئ غير الصالحة للسباحة هذا الصيف بلغ 28 شاطئًا، تستأثر محافظة بن عروس (تونس الكبرى) وحدها بـ16 شاطئًا منها، بينما تتوزع بقية الشواطئ على تونس العاصمة ومحافظات قابس وسوسة وبنزرت. علمًا أنّ هذا العدد كان 17 شاطئًا فقط سنة 2021، وارتفع سنة 2022 ليبلغ 21 شاطئًا، قبل أن يقفز سنة 2023 إلى 29 شاطئًا غير صالح للسباحة.

ومنذ سنوات بات التلوث الصناعي ومياه الصرف الصحي يهددان الشواطئ في تونس بحيث غرق بعضها في مستويات خطيرة من التلوث دون أن تبدي الدولة جدية في التعاطي مع هذا الملف لا سيما وأنها أحد أسباب هذا الخطر. ورغم أنّ خطر تلوث الشواطئ يهدد عدة محافظات في تونس، إلا أنّ الوضع في الحوض الجنوبي لخليج تونس ومحافظة قابس فاق كل المستويات.

تلوث الضاحية الجنوبية للعاصمة

تعود قصة التلوث في محافظة بن عروس إلى أكثر من 30 عامًا، وتحديدًا منذ بعث الديوان الوطني للتطهير المكلّف بإدارة خدمة الصرف الصحي ومقاومة كل مصادر التلوث البحري سنة 1974، حيث تحول إلى أحد أكبر المسؤولين عن الوضعية الكارثية لشواطئ هذه المنطقة بسبب سكبه مياه الصرف الصحي دون معالجة في البحر بذريعة أنه لا يملك الموارد البشرية واللوجستية والمادية للقيام بمعالجة هذه المياه كما ينبغي. وأدى ذلك إلى كارثة بيئية حيث تغيّرت نوعية المياه التي أصبح لها لون ورائحة كريهة وانتشرت البكتيريا المتسببة في عدة أمراض وخاصة منها الجلدية ومرض الكوليرا إضافة إلى نفوق العديد من الحيوانات البحرية.

وليس ديوان التطهير وحده المسؤول، إذ يتم تصريف كميات المياه الكبيرة التي تستهلكها أكبر محطات توليد الكهرباء في البلاد (موجودة في شاطئ مدينة رادس) مباشرة في البحر بكل الملوّثات الخطيرة التي تحتويها، فضلًا عن وادي مليان، الذي يُعتبر أحد أكبر أودية تونس ويصب في بحر رادس وتلقي فيه المصانع مياهها الملوثة، إلى جانب تقاطع الوديان الصغيرة مع البحر جارفةً كثيرًا من ملوّثات الإنتاج الزراعي والأسمدة.

أمام هذا الوضع الخطير، يحاول أهالي الضاحية بالتعاون مع بعض مكونات المجتمع المدني الضغط على السلطات لإنقاذهم من الخطر الكبير لكن دون فائدة. وفي 2021 شكل سكان الضاحية أطول سلسلة بشرية في العالم على امتداد الشاطئ في شكل درع رمزي للتنديد بالخطر البيئي المهدد للمنطقة، وامتدت على طول شواطئ مدن "رادس" و"الزهراء" و"حمام الأنف" و"حمام الشط" و"برج السدرية".

رئيسة جمعية العمل المواطني، دنيازاد التونسي تقول لـ"عروبة22" إنّ المنطقة تعيش على وقع "كارثة بيئية وصحية كبيرة والخطر يتفاقم سنويًا ضد السكان والبيئة والكائنات البحرية. لقد تحوّلت مياه شاطئ الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، من متنفس طبيعي وبيئي وصحي للسكان وللبحارة وللكائنات البحرية، إلى خطر كبير بسبب التلوث المركّب، المتأتي أساسًا من مياه الصرف الصحي التي تُسكب مباشرةً دون معالجة، بالإضافة إلى المياه المستعملة المتأتية من المصانع القريبة".

المجمّع الكيمياوي بقابس

أما خليج قابس الواقع على البحر المتوسط والمعروف بالثروة السمكية الهامة التي يتمتع بها، فقد تحوّل اليوم لأحد أكثر الشواطئ تلوّثًا منذ تأسيس مجمّع الصناعات الكيميائية بمنطقة شط السلام بمحافظة قابس سنة 1972. إذ أدت أنشطة استخراج الفوسفات وتحويله لكارثة بيئية كبيرة في الخليج. فحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتم إلقاء أكثر من عشرين ألف طن يوميًا من مادة الفسفوجيبس المشعة في البحر، أي أكثر من 7 ملايين طن في السنة. وهو ما أضر بالتنوع البيولوجي، فالخليج الذي كان يحتوي على أكثر من 270 نوعًا من السمك، ولم يبقَ منها الآن سوى 50 نوعًا أو أقل.

ويقول العم صالح أحد البحارة الكبار في المدينة بحسرة لـ"عروبة 22": "كان خليج قابس معروف دوليًا بمردوديته العالية في الصيد البحري وبتصدير أنواع عديدة من الأسماك، لكن ومع التلوث الكبير الذي بات عليه بسبب المجمّع أصبح اليوم متصحرًا. وبتنا نفقد في كل مرة نوعًا من الأسماك، فلم يعد مثلًا هناك القمبري ولا الأخطبوط، كما أنّ السلحفاة البحرية باتت مهددة بالانقراض في ظل نفوق العشرات منها في السنوات الأخيرة".

ويضيف العم صالح: "لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فالمجمّع يفرز غازات سامة تدفعنا لغلق أبوابنا ونوافذنا خاصة ليلًا كي نحمي أنفسنا من الاختناق. ولكن في المقابل فقدنا بساتيننا وأشجارنا التي لم تصمد أمام هذه الغازات بل إنّ هناك بعض المناطق اختفت بسبب التلوث بعد أن اضطر أهلها للرحيل لحماية أنفسهم من الأمراض الخطيرة التي باتت تهددهم وفي ظل تآكل بساتينهم".

ويقع المجمّع الكيميائي في "شط السلام" بمحافظة قابس التي يقطنها 18 ألف متساكن وبداخله وحدات لتصفية مادة الفوسفات، وقد أدى وجوده لانتشار عدة أمراض، بخاصة منها السرطان، في هذه المدينة.. حتى أنّ أهلها باتوا يتندرون على حالهم بالقول: "أصبح السرطان بالنسبة إلينا مثل نزلة البرد"!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن