تقدير موقف

النظام الضريبي المصري.. من الضرائب "العمياء" إلى التمييز وغياب العدالة

يشكّل النظام الضريبي آلية رئيسية من آليات تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل وتمويل المالية العامة للدولة. وهو مؤشر رئيسي على طبيعة الانحيازات الاجتماعية للنظام الاقتصادي - الاجتماعي. ومن المفترض أن يكون النظام الضريبي متعدد الشرائح وتصاعديًا بالنسبة للأفراد والشركات حتى يحقق العدالة الاجتماعية النسبية.

النظام الضريبي المصري.. من الضرائب

وتنقسم الضرائب إلى ضرائب مباشرة تستهدف المموّل الذي يدفعها مباشرة مثل الضرائب على الدخل، وضرائب غير مباشرة تستهدف من يشتري السلعة أو الخدمة التي تفرض عليها، وهي ضرائب "عمياء" لا تميّز بين فقير أو غني ولا علاقة لها باعتبارات العدالة الاجتماعية.

زيادة الضرائب "العمياء" في عهد الرئيس السيسي

شهدت فترة حكم الرئيس السيسي العديد من التعديلات الجوهرية في السياسة الضريبية أدت إلى رفع حصيلة الضرائب بصورة غير مسبوقة، ليصل إجمالي الحصيلة المتوقعة عام 2024/2025 إلى 2022 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 561% عن حصيلة عام 2014/2015 التي بلغت 306 مليارات جنيه.

ضريبة القيمة المضافة التي تم استحداثها أعلى من ضريبة المبيعات التي تم إلغاؤها بنسبة 40%

وتمثّلت التعديلات الأكثر أهمية في إلغاء ضريبة المبيعات (غير مباشرة أو عمياء) وكانت نسبتها 10% من قيمة السلعة المبيعة، وإحلال ضريبة القيمة المضافة ونسبتها 14% محلها في منتصف عام 2016. وهذا التعديل يعني أنّ ضريبة القيمة المضافة التي تم استحداثها أعلى من ضريبة المبيعات التي تم إلغاؤها بنسبة 40%!

ولإدراك مدى التغيّر في ثقل تلك الضريبة غير المباشرة التي يتحمّلها المواطنون بلا تمييز يكفي أن نعلم أنّ حصيلة ضريبة المبيعات كانت 120 مليار جنيه عام 2015/2016، وارتفعت بشكل مستمر حتى بلغت نحو 582,1 مليار جنيه عام 2023/2024، ومن المقدّر لها وفقًا لوزارة المالية أن تبلغ 720 مليار جنيه في عام 2024/2025. أي أنّ قيمتها تضاعفت 6 مرات خلال 9 أعوام من تطبيقها.

وإضافة إلى هذه الضرائب فرضت الدولة ضريبة على خدمات التليفون المحمول نسبتها 30% وهي ضريبة غير مباشرة (عمياء) تموّل الطبقة الوسطى والفقراء الغالبية الساحقة منها.

قهر الطبقة الوسطى ومحاباة الشركات العقارية

ضريبة التصرفات العقارية مقررة ضمن قانون الضرائب لعام 2005 استمرارًا لوجودها السابق عليه، لكنها لم تكن تطبّق في الواقع لأنّ عمليات بيع العقارات كانت تتم من خلال العقود والتوكيلات، ولم تكن عملية التسجيل ضرورية لإدخال المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحي لأي عقار. كما أنّ العقارات التي يحصل عليها أي شخص بالميراث كانت معفاة من تلك الضريبة. وخلال فترة حكم "الإخوان" تم تعديل ذلك القانون ليعفي الأراضي والعقارات في الريف من تلك الضريبة.

محاباة فظة للشركات العقارية الخاصة والشركات العامة المدنية والعسكرية على حساب القطاع العائلي

وفي يوليو عام 2018 تم تعديل القانون وتم إلغاء إعفاء العقارات المنقولة بالميراث من الضريبة ودخلت بالتالي ضمن الخاضعين لها. وضريبة التصرفات العقارية ونسبتها 2,5% من قيمة العقار الذي يتم بيعه ويدفعها البائع، وتُطبّق على الأشخاص الطبيعية أي القطاع العائلي، ولا يخضع لها الأشخاص الاعتبارية أي الشركات العقارية الخاصة والشركات العامة المدنية والعسكرية، في محاباة فظة لها على حساب القطاع العائلي. وفي تبرير وزارة المالية لقصر فرض الضريبة على الأشخاص الطبيعية ذكرت أنها نوع من ضريبة الدخل على الأفراد، بينما تدفع الشركات ضريبة الأرباح التجارية والصناعية!! وهذا التبرير متهافت علميًا وقانونيًا لأنّ عملية بيع العقارات المملوكة للقطاع العائلي لا تخلق دخلًا جديدًا، بل هي مجرد تدوير لدخل متحقق سابقًا وتم إنشاء العقار من خلاله، وتم دفع الضرائب عن ذلك الدخل بالتأكيد، حيث أنّ مصدر الدخل للقسم الأكبر من القطاع العائلي هو الأجور. وهذا الدخل تم اقتطاع الضرائب منه من المنبع. كما تم دفع ضريبة المبيعات ومن بعدها ضريبة القيمة المضافة على المواد المستخدمة في البناء.

والأكثر منطقية وتوافقًا مع اعتبارات العدالة الاجتماعية هو إعفاء الأشخاص الطبيعية منها، وإخضاع الأشخاص الاعتبارية أي الشركات العقارية للضريبة، حيث تحقق معدلات ربح بالغة الارتفاع. ويتعاون العديد منها مع بعض شركات المحاسبة لإظهار نتائج أعمال سلبية أو محدودة الأرباح لتفادي دفع ضرائب الأرباح التجارية والصناعية، فكأن الدولة لا حصلت منهم على ضريبة التصرفات العقارية ولا على ضريبة الأرباح التجارية والصناعية الحقيقية!.. وهناك ضرورة لإعادة النظر كليًا في هذه الضريبة.

غياب العدالة الضريبية بين الشركات المدنية وشركات الجيش

مقابل هذه الضرائب التي تتحملها الطبقة الوسطى، أعفى قانون الضرائب شركات جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش من الضرائب على الشركات أو ضريبة الأرباح التجارية والصناعية ونسبتها 22,5% حتى وهي تعمل وتنافس في الاقتصاد المدني، وهو تمييز غير عادل يجعلها تفوز في أي مناقصة للأعمال في الاقتصاد المدني على حساب القطاع العام المدني والقطاع الخاص، فضلًا عن عمليات الإسناد المباشر التي تحصل عليها تلك الشركات وبخاصة منذ تغيير قانون التعاقدات العامة لتوسيع نطاق الإسناد المباشر بصورة غير مسبوقة.

ليس من بين مهام المؤسسة العسكرية المحددة في الدستور العمل في الاقتصاد المدني أو الهيمنة على التعاقدات العامة

وهذا الإعفاء الضريبي غير العادل يحرم الموازنة العامة للدولة من مصدر رئيسي للإيرادات يمكنه أن يساهم في تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة. ولا بد من تغيير هذا القانون وإلغاء إعفاء شركات جهاز الخدمة الوطنية من الضرائب لدى عملها في الاقتصاد المدني لتحقيق العدالة في بيئة الأعمال ولتنشيط الإيرادات العامة للدولة كعامل رئيسي في إصلاح الموازنة العامة للدولة وتقليل عجزها، وإن كان الأفضل بشكل مطلق هو التزام المؤسسة العسكرية بمهامها المحددة في الدستور وليس من بينها العمل في الاقتصاد المدني أو الهيمنة على التعاقدات العامة.

على أي حال، فإنّ النظام الضريبي المصري بحاجة إلى الإصلاح حتى يمكن تحقيق الشمول لهذا النظام ليغطي كافة الأوعية المستحقة لفرض الضرائب عليها بما فيها المكاسب الرأسمالية، ويحتاج أيضًا لتعديل في المعدلات الضريبية حتى تحقق العدالة الاجتماعية. ويجب أن يترافق ذلك الإصلاح مع تطور موازٍ في الخدمات العامة في الصحة والتعليم والأمن والنقل والاتصالات والبنية الأساسية من طرق ومحطات للمياه والصرف والكهرباء.. إلخ، فالأعباء الضريبية لا بد أن يقابلها تقديم الدولة لخدمات عامة راقية تُشعر المواطنين بجدوى ما يدفعونه من ضرائب في تحسين نوعية حياتهم وفي رقي بلادهم. كما أنه من الضروري احترام حقوق وحريات هؤلاء المواطنين الذين يموّلون المالية العامة لدولتهم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن