اقتصاد ومال

هل يفتح الاقتصاد "ثغرة" باتجاه السلام اليمني؟

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

بعد مواجهة اقتصادية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بدأت فصولها في العام 2020، تتجه هذه المعركة نحو اختراق مسار السلام الذي أوصدت أبوابه مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة وانخراط الحوثيين في تلك المواجهة من خلال استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

هل يفتح الاقتصاد

كان الحوثيون السبّاقون في الخطوات التصعيدية من خلال منع تداول الطبعة الجديدة من العملة المحلية في مناطق سيطرتهم، ومن ثم استهداف الموانئ النفطية ما أدى إلى توقف عملية التصدير، وأتبعوا ذلك بإصدار فئة من العملة المحلية دون موافقة البنك المركزي في عدن المعترف به دوليًا، ومع أنّ الجانب الحكومي ظل لسنوات عاجزًا عن الرد، إلا أنه وخلال الأسابيع الأخيرة أمر البنوك التجارية بنقل مراكز عملياتها المالية من صنعاء وأتبع ذلك بسحب نظام المراسلات البنكية عنها حين رفضت ذلك.

هذه المواجهة دفعت بالحوثيين إلى التهديد باستئناف القتال وهددوا باستهداف السعودية إذا لم تجبر حلفاءها في الحكومة اليمنية على التراجع عن "الخطوات العقابية" في حق البنوك التجارية، ووسط هذه المواجهة تدخّل مبعوث الأمم المتحدة وبدعم من الوساطة الإقليمية التي تديرها سلطنة عمان والسعودية وطلب من مجلس القيادة الرئاسي تأجيل تطبيق تلك العقوبات حتى نهاية (أغسطس/آب) ووجّه الدعوة للجانبين للمشاركة في جولة حوار مستعجلة في الملف الاقتصادي.

الجانب الحكومي ربط مشاركته بوجود جدول أعمال واضح يناقش استئناف تصدير النفط، وإنهاء الانقسام المالي، فيما رد الحوثيون واشترطوا إلغاء الإجراءات العقابية في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرتها وليس تأجيلها، وهو ما دعا مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى مطالبة الطرفين المشاركة في جولة المحادثات الاقتصادية المقترحة بدون شروط مسبقة، وهو ما يتوقعه المراقبون استنادًا إلى النفوذ الذي يتمتع به الوسطاء الإقليميون لدى طرفَي الصراع.

هذه الجولة، إذا ما قُدّر لها النجاح، ستتمكن من فتح ثغرة باتجاه طريق السلام المتعثّر منذ التوصل إلى خارطة الطريقة نهاية العام السابق، لكنها إن فشلت فقد تفتح باب الجحيم من جديد في الصراع اليمني الممتد منذ عشرة أعوام.

وتأتي هذه التطورات مع توقع أحدث تقرير للبنك الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في اليمن بنسبة 1.0% خلال العام الجاري، بعد أن سجّل انكماشًا بنسبة 2.0% في العام السابق ونموًا متواضعًا بنسبة 1.5% في عام 2022.

وذكر التقرير أنه، خلال الفترة بين عامي 2015 و2023، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 54%، مما ترك غالبية اليمنيين في فقر. وأكد أنّ انعدام الأمن الغذائي يؤثّر حاليًا على نصف السكان، ومعه ارتفعت معدلات وفيات الشباب وتدهور الوضع المالي للحكومة المعترف بها دوليًا بشكل كبير خلال العام المنتهي.

وحسب التقرير، انخفضت الإيرادات المالية بأكثر من 30%، مدفوعة بانخفاض كبير في عائدات النفط وانخفاض عائدات الجمارك بسبب إعادة توجيه الواردات من عدن إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون. وبيّن أنّ الحكومة المعترف بها دوليًا نفذت تخفيضات حادة في الإنفاق، مما أثر على الخدمات العامة الأساسية والنمو الاقتصادي الطويل الأجل.

وطبقًا لبيانات التقرير، اتسع عجز الحساب الجاري إلى 19.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ارتفاعًا من 17.8٪ في عام 2022. كما أثّر الحصار الذي فرضه الحوثيون على تصدير النفط بشكل كبير على العجز التجاري، في حين ظلت الاحتياطيات الأجنبية مستقرة نسبيًا بسبب الدعم المالي من شركاء، بما في ذلك تحويل حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.

التقرير يسلط الضوء أيضًا على التأثير الشديد للتوترات الإقليمية المتصاعدة، وخاصة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وقال إنّ ذلك أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وأقساط التأمين، مما زاد من إجهاد اقتصاد اليمن. وقال إنّ التوقعات الاقتصادية لهذا البلد لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبيرـ وإنّ استئناف صادرات النفط والتعافي الاقتصادي الأوسع نطاقًا يبدو بعيد المنال في ظل غياب اتفاق سلام دائم.

ونبّه البنك الدولي إلى أنّ الصراعات الإقليمية المستمرة، وانخفاض قيمة العملة، والضغوط المالية تشكل مخاطر كبيرة. ومع ذلك، أشار إلى أنّ اتفاق السلام المستدام من شأنه أن يحسّن بسرعة آفاق اليمن الاقتصادية، بدعم من المساعدات المالية الخارجية وجهود إعادة الإعمار.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن