ما الذي يلفت انتباهك، حين تتصفح الأخبار والمقالات عن الاكتشافات الجديدة؟ من دون شك: النسبة الأعلى من الإنجازات العلمية والتقانية الباهرة، تتحقق على أيدي فِرَق البحث العلمي في الجامعات. معنى ذلك أن الجامعة في أنظمة التعليم الفائقة، ليست مجرّد مرحلة تلي الثانوية، مثلما تأتي الثانوية بعد الإعدادية والإعدادية بعد الابتدائية.
ذلك يعني أنّ التعليم الجامعي مرتبط بالتنمية الشاملة عبر مراكز البحث العلمي، وأن هذه العلاقة لا يمكن أن تكون فعّالة وواسعة النطاق إذا لم يعزّزها الاستثمار في العلوم.
للعلم والاطّلاع: روافد الاستثمار في العلوم والتقانة يضمنها القطاع العام الحكومي بميزانية معيّنة، ووعي لدى القطاع الخاص تتوهج فيه الوطنية والإحساس بالمسؤولية العامّة، فتتدفق التبرعات، إمّا وهي لا تريد من الجامعات جزاءً ولا شكوراً، وإمّا مقابل الخدمات العلمية والتقانية التي تطلبها من المراكز.
من الجامعات ما يحوز الريادة عالميّاً، مثل هارفارد بالولايات المتحدة، التي تناطح التبرعات الزاخرة نحوها الستة مليارات دولار، ومن مراكز البحث ما «يتغوّل»، مثل معهد ماكس بلانك، الذي له في ألمانيا ستة وثمانون فرعاً، وعدد آخر في بلدان شتى من العالم. أمّا المجالات فالعدّ والإحصاء يعييك.
مخّ القصة هو أن الجامعة، من خلال هذه الرؤية، ليست صفحة تُطوى بعد أربع سنوات أو أكثر من الدراسة، وعلى الطالب أن يحصل على شهادته ويدخل سوق العمل باحثاً عن وظيفة. هذه غاية ليست أبعد من فِتْر أو شبر. لكن الجامعة جسر إلى مراكز البحث العلمي، ثمّ إلى ميادين التنمية الشاملة في القطاعين العام والخاص، تسبقها سلسلة حلقات منذ الابتدائية، إن لم يتيسر البدء بالحضانة، وإلاّ فما معنى التعليم الأساسي؟.
على المؤسسات المعنية في العالم العربي، إدراك أنه ولّى زمان صبّ بضاعة المعلومات بالقُمع في وعاء الدماغ، ومعاقبة التلميذ أو الطالب بالإخفاق والرسوب إذا هو لم يستظهر 100% بما أكرهوه على حفظه. العلوم الإنسانية، كاللغة والأدب، يجب أن تدرّس بطريقة علمية. البحث العلمي يجب أن يصير جزءاً لا يتجزأ من أداء الدماغ، فيؤسس منذ الابتدائية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجوهرية: كل ذلك يذهب مع الريح، إذا توهمت أنظمة التعليم أن تشمخ صروح البحث العلمي، من دون أن تتفتح البراعم، منذ الابتدائية، في حدائق حريّات الفكر والرأي والتعبير. المغلول لا يُبدع.
("الخليج") الإماراتية