وجهات نظر

جيمس فانس.. والحروب المحتملة

يشير اختيار جيمس ديفيد فانس نائبًا للرّئيس، في حال فوز دونالد ترامب، إلى تحوّل كبير في السيّاسة الخارجية الأمريكية. فلا يُعرف فانس بدعمه اللّامشروط لإسرائيل ضدّ "حماس" فقط؛ وإنّما بتحيّزه الديني للمسيحية ضدّ الإسلام كمبرّر إيديولوجي وسياسي يمنحه شرعية الدّعم الكامل لإسرائيل، مُعتبرًا أنّ الاهتمام الأمريكي بإسرائيل يعود جزئيًا إلى الجذور المسيحية العميقة في الولايات المتّحدة الأمريكية.

جيمس فانس.. والحروب المحتملة

لذلك، من منطلقه الثّقافي والسيّاسي يُشدّد فانس على اعتبار "حماس" منظّمة إرهابية تستحق الاستئصال. كمّا أنّه لا يألو أيّ جهد في تأييده لكلّ السياسات التّي تضرّ بالمجتمعات العربية والإسلاميّة، دون أن يميّز عن قصد، في كثير من تصريحاته، بين العرب والمسلمين.

يؤمن أنّ الصراع بين العرب وإسرائيل والعرب والغرب هو صراع بين المسيحية واليهودية من جهة والإسلام من جهة أخرى

لو تأمّلنا خطابه في معهد كوينسي في مايو المنصرم، نجده يُؤكّد على أنّ أغلبية مواطني أمريكا، بوصفها الدولة المسيحية الأكبر في العالم، تنتظر خلاصها بالمجيء الثّاني للمسيح الذّي سيُبعث في القدس. وهذا يعني بالنّسبة لفانس أنّ الدّولة الامريكية أمام مسؤولية تاريخية في الدّفاع عن أحلام مواطنيها. وفي هذه المسؤولية لا بدّ أن تكون مسألة دعم إسرائيل وحمايتها الأولوية الأولى للسياسة الخارجية الأمريكية.

لا بدّ أن نُشير هنا إلى أنّ فانس من أكثر المتعاطفين مع أطروحة صموئيل هنتغنتون الذي يعتبر الانقسام الدّيني والثّقافي محرّكًا رئيسًا للنّزاعات العالمية. لذلك يؤمن أنّ الصراع بين العرب وإسرائيل وبين العرب والغرب ليس إلا صراعًا بين المسيحية واليهودية من جهة، والإسلام من جهة أخرى، وأنّ الغلبة التّاريخية ليست بالتفوّق الاقتصادي فقط، وإنّما بابتلاع هذه الدّيانة لتلك وطمس أُسسها الثّقافية. وبناءً عليه نجده، بوصفه عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي وفاعلًا في المجتمع المسيحي، يجتهد بطرق غير مباشرة عبر لوبيات أخطبوطية من داخل الدول والحكومات، والقادة السياسيين، والمنظّمات الدّولية، والوكالات المتخصّصة للأمم المتحدة، والخبراء والمستشارين، ومنظّمات المجتمع المدني، في بلورة بنود وصيغ من داخل الاتفاقيات الدّولية تسعى بالأساس إلى سحب القيم الإسلامية من المجتمعات الإسلامية عبر اتّفاقيات دولية مقرونة بحصول دول هذه المجتمعات على القروض والمساعدات المطلوبة. وانسجامًا مع قناعاته، نجده دائمًا يصرّ على المشاركة في التّخطيط لتوسيع اتفاقيات التطبيع التي توسّط فيها ترامب بين إسرائيل وعدّة دول عربيّة. وهذا ما أعلن عنه صراحة في مقابلة مع الشّبكة الإخبارية الأمريكية في مايو المنصرم بتأكيده على أنّ الهدف الذّي يسعى إليه في الشّرق الأوسط هو البحث عن سُبل التوصّل إلى اتفاق يُفضي إلى تطبيع حقيقي مع السعودية وباقي دول الخليج.

وصول جيمس فانس إلى منصب نائب الرئيس ستكون له تبعات سيّئة في منطقة الشّرق الأوسط

من جهة أخرى، لا بدّ أن نتذكّر أنّ فانس بدأ يلعب أدوارًا مؤثّرة في القرار السياسي والديبلوماسي الأمريكي، بحيث تبنّت إدارة جو بايدن في الأشهر الأخيرة أطروحته القائلة بتحويل دعم أوكرانيا إلى إسرائيل بعد أن عبّأ 15 من أعضاء مجلس الشّيوخ الجمهوريين للتّصويت على هذا القرار الذي أربك مجموعة الناتو، بحجّة أنّ "حماس" تشكّل خطرًا حقيقيًا على الأمن القومي الإسرائيلي.

المؤكّد أنّ وصول جيمس ديفيد فانس إلى منصب نائب الرئيس، وممارسته لأفكاره، ستكون له تبعات سيّئة في منطقة الشّرق الأوسط. وفي طليعتها صعود جيل جديد من الحروب التي لن يكون فيها الانتصار لطرف دون آخر. لأنّ هذه الحروب ذات الخلفيات المعقّدة، ستكون هذه المرّة دينية وثقافية عابرة للقارات، ما دام الإرهاب والتعصّب في المحصّلة سيتحوّلان إلى سمة عالمية تنحرف بالسّياسة إلى همجية مركّبة ومفتوحة، تعبيرًا عن حقد عرقي وديني وجد الفرصة التّاريخية لانفجار.. لا أحد يعلم نتائجه.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن