يمرُّ لبنان في مرحلة حبس أنفاس على إيقاع التصعيد المتزايد في الجنوب، وما يرافقه من تهديدات يومية من الجانب الإسرائيلي، في ظل حالة إنعدام الوزن في مواقع السلطة السياسية، والخلافات التي تعصف بين الأطراف الحزبية، والتي تعطل محاولات بروز موقف وطني موحد من الأخطار المحدقة بالبلد، من كل حدب وصوب.
ومما يزيد من واقع القلق الداخلي التخوف من تراجع الضغوط الأميركية على حكومة تل أبيب، ولجمها عن القيام بمغامرة عسكرية جديدة ضد لبنان، من شأنها أن تؤدي إلى إنزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، قد يكون لبنان الساحة المفتوحة لها، إنطلاقاً من الوضع المتفجر على الحدود الجنوبية مع الطرف الإسرائيلي. لم يعد خافياً أن إنهماك الإدارة الديموقراطية في البيت الأبيض في التطورات المستجدة للسباق الرئاسي، إثر إنسحاب الرئيس بايدن من المعركة، وإعتماد ترشيح نائبته كامالا هاريس، قد أضعف الإهتمام الأميركي بالقضايا الخارجية، بما في ذلك مفاوضات الهدنة في غزة، ومساعي التبريد للجبهة الشمالية مع لبنان، والتي كانت تحظى بإهتمام لافت من البيت الأبيض، وموفده الرئاسي آموس هوكشتاين، الذي زار الرياض الأسبوع الماضي مع زميله الموفد الفرنسي، لمتابعة ملفي الجنوب الساخن، والإنتخابات الرئاسية في لبنان.
وبدا واضحاً أن نتنياهو، وفريقه الوزاري المتطرف، يحاول تغطية فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة، سواء بالنسبة للوصول إلى الرهائن، أو القضاء على قيادة حماس، بشن حملة حرب خاطفة على لبنان، بحجة التخلص من التهديد الذي يمثله حزب الله على منطقة الجليل، والعمل على إعادة المستوطنين إلى مناطقهم، قبل بدء العام الدراسي الجديد، وفي فترة زمنية لا تتجاوز أواخر آب المقبل.
غير أن مثل لجم هستيريا الحرب المهيمنة على الحكومة المتطرفة في تل أبيب تبقى رهناً بحصول الضوء الأخضر من البنتاغون، نظراً للحاجة الإسرائيلية الملحة لإستمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية، عتاداً وذخيرة. فهل يستغل نتنياهو حالة الإرباك الراهنة في واشنطن للقيام بمغامرته المحفوفة بشتى المخاطر ضد لبنان؟