تسعى الوساطة المصرية والعربية، لحلحلة الأزمة الليبية وإنهاء النزاع بين حكومتي "الوحدة" المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي تدير شؤون المنطقة الغربية من العاصمة طرابلس، وغريمتها حكومة "الاستقرار" الموازية برئاسة أسامة حماد المدعومة من مجلس النواب والمسؤولة عن المنطقتين الشرقية والجنوبية.
وعلى الرغم من تصاعد حدة الخلافات، حول الميزانية العامة للدولة والقوانين الانتخابية، بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ومحمد تكالة رئيس مجلس الدولة، وهو ما ساهم في تأجيل اجتماع كان مقررًا بينهما بحضور محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، فقد جرى الإعلان في ختام اجتماع عقده نحو 130 من أعضاء مجلسي النواب والدولة بأحد فنادق القاهرة برعاية السلطات المصرية عن اتفاق لتشكيل حكومة جديدة واحدة، ودعوة مجلس النواب للإعلان عن فتح باب الترشح لرئاسة "حكومة كفاءات" بقيادة وطنية.
وتمسك البيان الختامي، بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية لإنهاء حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي، الذي لاحظ أنه يزيد من استشراء الفساد والغلاء والتدهور غير المسبوق للأوضاع المعيشية.
ووصف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، البيان، بأنه "خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح"، وأكد على ضرورة البدء في إجراءات تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة وفقًا للإعلان الدستوري وتعديلاته، لكنه لم يوضح الخطوات اللازمة!.
ويتناقض هذا الموقف، مع تأكيد سابق لصالح بأنّ اعتراض مجلس الدولة على الميزانية، ليس له أي وجاهة قانونية، بينما رد محمد تكالة رئيس مجلس الدولة، بالدعوة إلى إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور باعتباره الطريق إلى استقرار البلاد ووحدة أراضيها.
ونجح صالح وتكالة في جر البلاد إلى متاهة الجدل بينهما في قضايا فرعية، تتعلق بالميزانية والمناصب السيادية، وإعادة ليبيا إلى مشكلة الحكومات المنقسمة، دون حسم القضايا الرئيسية المُلحة مثل الانتخابات المؤجلة.
وبينما انحاز تكالة إلى حكومة الدبيبة، فإنّ صالح يرفضها بالمطلق، واضعًا ثقته في المقابل بحكومة الاستقرار الضعيفة التي يترأسها أسامة حماد.
وجاءت خارطة الطريق الجديدة، أقل طموحًا وأكثر تشابهًا مع ما سبقها من مبادرات أممية وإقليمية ومحلية، لم تفلح على مدى السنوات الماضية في معالجة الانسداد السياسي والاقتصادي والأمني.
وعلى الرغم من أنّ بعض المشاركين في اجتماع القاهرة، تحدثوا عن توحيد السلطة التنفيذية، فقد خلا جدول أعمال الاجتماع، من أي إشارة إلى ترتيبات تؤدي إلى حكومة وحدة.
ولم يحدد اجتماع القاهرة، الذي يأتي استكمالًا للقاء تونس، ويهدف إلى فك الجمود السياسي، موعدًا للانتخابات المؤجلة بشكل رسمي، ما يعني بحسب مراقبين إقليميين ومحليين، أنّ الاتفاق على موعد الانتخابات سيستغرق بعض الوقت، ولن يعلن رسميًا قبل عامين على أقل تقدير.
يتشابه بيان القاهرة الأخير مع إعلان تونس لأعضاء مجلسي النواب والدولة الذي عُقد خلال شهر فبراير/شباط الماضي، خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة وطنية جديدة تعمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي.
وبحسب مصادر مصرية وعربية تحدثت لـ"عروبة 22" فإنه لا تقاطع بين المسار الذي ترعاه السلطات المصرية لحل الأزمة الليبية، ومساعي الوساطة الحميدة التي تبذلها الجامعة العربية للهدف نفسه.
ومع ذلك، قال دبلوماسي غربي في العاصمة طرابلس لـ"عروبة 22" إنّ هذا الزخم مفيد إعلاميًا، لكنه لن يأتي بنتائج ملموسة على الأرض، لافتًا إلى أنّ المشكلة الحقيقية هي استبعاد اجتماع القاهرة لبعثة الأمم المتحدة وعدم دعوتها للحضور.
وجاء بيان البعثة الأممية، بعد يومين من اجتماع القاهرة، معبّرًا عن هذا، بتسجيل ترحيب عام بجميع الجهود، التي تصب في تحقيق توافق ليبي، لكنه أكد في المقابل، ضرورة أن تكون أي خطوات من هذا القبيل شاملة، ومتضمنة لمسار واضح نحو الانتخابات، داعيًا إلى مقاربة تشمل الأطراف الليبية المعنية.
وضاعف شك أعضاء بمجلس النواب في انتهاء حكومة الدبيبة من إمكانية تفعيل نتائج اجتماع القاهرة في ظل عدم وجود دعم أممي ودولي، حيث من المشكوك فيه أن تعلن الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني خوري القائمة بأعمال البعثة الأممية، تأييد أي خيار يسحب البساط من تحت أقدام الإدارة الأمريكية التي تدير الأزمة الليبية عبر البعثة الأممية منذ فترة.
وتظل الميلشيات المسلّحة، التي تسيطر على مفاصل الدولة ومراكز صنع القرار السياسي بالبلاد، هي صاحبة القول الفصل، بعدما استغلت الفراغ السياسي، لإعادة تأكيد نفوذها على المشهد والسيطرة على مستقبل الانتخابات.
وكانت الحكومات، التي تعاقبت على السلطة في ليبيا منذ عام 2011 وسقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، قد تنازلت طواعية عن الكثير من السلطة للميليشيات المحلية والوسطاء القبليين، بحيث لا أحد يستطيع تفكيك هذه الميليشيات، دون المخاطرة بحياته.
ودائمًا لا يعني مقترح تشكيل "حكومة موحّدة" جديدة، بإشراك أطراف سياسية وعسكرية ومجتمعية وفئوية، سوى دخول مرحلة انتقالية جديدة، تتطلب أشهرًا أطول للتوافق، ما يعني تأخر الانتخابات.
ومن الواضح أنّ اتفاق القاهرة ليس إلزاميًا، ولن يجبر رئيسي مجلسي النواب والدولة على حسم خلافاتهما العالقة منذ فترة، ذلك أنّ ثمة مشكلات كبيرة باقية، ففي الشوارع لا تزال السلطة في قبضة جماعات مسلحة محلية تنهب ثروة البلاد، ما دفع البعض للقول بأنّ ليبيا ليست حرّة، حيث كل الأطراف خاضعة لتأثيرات محلية أو أجنبية.
(خاص "عروبة 22")